فصل: الرّكن الأوّل: السّارق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سرّ

التّعريف

1 - من معاني السّرّ لغةً‏:‏ ما يكتم في النّفس، والجمع أسرار وسرائر‏.‏

وأسرّ الشّيء‏:‏ كتمه وأظهره فهو من الأضداد‏.‏

قال الرّاغب‏:‏ الإسرار خلاف الإعلان، ويستعمل في الأعيان والمعاني‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

النّجوى‏:‏

2 - النّجوى اسم للكلام الخفيّ الّذي تناجي به صاحبك كأنّك ترفعه عن غيره، وذلك أنّ أصل الكلمة‏:‏ الرّفعة، ومنه‏:‏ النّجوة من الأرض، والسّرّ أعمّ من النّجوى، لأنّ السّرّ قد يكون في غير المعاني مجازاً‏.‏ يقال‏:‏ فعل هذا سرّاً، وقد أسرّ الأمر، والنّجوى لا تكون إلاّ كلاماً‏.‏

أنواع السّرّ

3 - يتنوّع السّرّ إلى ثلاثة أنواع‏:‏

أ - ما أمر الشّرع بكتمانه‏.‏

ب - ما طلب صاحبه كتمانه‏.‏

ج - ما من شأنه الكتمان، واطّلع عليه بسبب الخلطة أو المهنة‏.‏

وللتّفصيل في أنواع السّرّ وحكم كلّ نوع ‏(‏ر‏:‏ إفشاء السّرّ‏)‏‏.‏

المفاضلة بين إظهار الأعمال والإسرار بها

4 - إنّ في إسرار الأعمال فائدة الإخلاص والنّجاة من الرّياء، وفي إظهارها فائدة الاقتداء وترغيب النّاس في الخير، ولكن فيه آفة الرّياء‏.‏

قال الحسن‏:‏ قد علم المسلمون أنّ السّرّ أحرز العملين، ولكن في الإظهار أيضاً فائدة، ولذلك أثنى اللّه تعالى على السّرّ والعلانية فقال‏:‏ ‏{‏إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ‏}‏‏.‏

وضابط أفضليّة إظهار الأعمال أو إسرارها‏:‏ هو أنّ كلّ عمل لا يمكن إسراره كالحجّ والجهاد والجمعة فالأفضل المبادرة إليه وإظهار الرّغبة فيه للتّحريض بشرط أن لا يكون فيه شوائب الرّياء، وأمّا ما يمكن إسراره كالصّدقة والصّلاة فإن كان إظهار الصّدقة يؤذي المتصدّق عليه مع أنّه يرغّب النّاس في الصّدقة فالسّرّ أفضل، لأنّ الإيذاء حرام‏.‏ فإن لم يكن فيه إيذاء فقد اختلف العلماء في الأفضل‏.‏ فقال قوم‏:‏ السّرّ أفضل من العلانية وإن كان في العلانية قدوة‏.‏ وقال قوم‏:‏ السّرّ أفضل من علانية لا قدوة فيها، أمّا العلانية للقدوة فأفضل من السّرّ، ويدلّ على ذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أمر الأنبياء بإظهار العمل للاقتداء بهم وخصّهم بمنصب النّبوّة، ولا يجوز أن يظنّ بهم أنّهم حرموا أفضل العملين‏.‏

هذا في عامّة الأعمال، أمّا في التّطوّع فالإخفاء فيه أفضل من الإظهار لانتفاء الرّياء عنه‏.‏ وفيما يلي نذكر بعض النّوافل الّتي يكون الإسرار بها أفضل من إظهارها‏.‏

أ - التّطوّع في البيت‏:‏

5 - التّطوّع في البيت أفضل، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ الصّلاة المكتوبة»‏.‏

ولأنّ الصّلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرّياء، وهو من عمل السّرّ وفعله في المسجد علانيةً والسّرّ أفضل‏.‏

ب - دفع صدقة التّطوّع سرّاً‏:‏

6 - صدقة السّرّ أفضل من صدقة العلانية، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ‏}‏‏.‏

روى أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر منهم رجلاً تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»‏.‏ وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ صدقة السّرّ تطفئ غضب الرّبّ»‏.‏

وعن ابن عبّاس‏:‏ جعل اللّه صدقة السّرّ في التّطوّع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها تفضل إسرارها يقال بخمسة وعشرين ضعفاً‏.‏

وكذلك جميع الفرائض والنّوافل في الأشياء كلّها‏.‏ وقال سفيان‏:‏ هو سوى الزّكاة‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ صدقة‏)‏‏.‏

نكاح السّرّ‏:‏

7 - أجمع جمهور الفقهاء على أنّ إعلان النّكاح مستحبّ، ‏(‏ر‏:‏ مصطلح إعلان، ونكاح‏)‏

تزكية الشّهود سرّاً‏:‏

8 - إذا طعن في الشّهود من طرف الخصم فتجب تزكيتهم بلا خلاف ويكون الحكم بدون التّزكية غير صحيح‏.‏

أمّا إذا لم يطعن الخصم في الشّهود فقد اختلف في لزوم التّزكية‏.‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على المذهب وصاحبا أبي حنيفة إلى وجوب التّزكية في الجملة، ولا يصحّ الحكم - عندهم - بدونها، لأنّ القضاء ينبني على الحجّة، ولا تقع الحجّة إلاّ بشهادة العدول‏.‏

والتّزكية نوعان‏:‏ تزكية السّرّ، وتزكية العلانية‏.‏

وسبب التّزكية سرّاً أنّه إذا كان الشّهود غير عدول فيمكن أن لا يقدر المزكّي على الجرح علناً لبعض أسباب، كخوف المزكّي على نفسه فلذلك كانت التّزكية السّرّيّة حتّى يكون المزكّي قادراً على الجرح‏.‏

وللتّفصيل في حكم التّزكية، وأقسامها، ووقت سقوطها، وشروط من تقبل تزكيته، وعدد من يقبل فيها ‏(‏ر‏:‏ تزكية، شهادة‏)‏‏.‏

سرر

التّعريف

1 - السّرر لغةً‏:‏ اللّيلة الّتي يستسرّ فيها القمر، ويقال فيها أيضاً السّرر، والسّرار، والسّرار، وهو مشتقّ من قولهم‏:‏ استسرّ القمر، أي خفي ليلة السّرار، فربّما كان ليلتين‏.‏ وأصل السّرر الخفاء فنقول‏:‏ أُسِرُّ الحديث إسراراً إذا أخفيته أو نسبته إلى السّرّ، وأسررته أيضاً أظهرته فهو من الأضداد‏.‏

أمّا معناه اصطلاحاً فقد اختلف المراد من السّرر، هل هو آخر الشّهر، أم أوّله، أم أوسطه، فذهب بعض العلماء وهم جمهور أهل اللّغة والحديث والغريب‏:‏ إلى أنّ المراد من السّرر هو آخر الشّهر، سمّي بذلك لاستسرار القمر‏.‏

وبعض العلماء ذهب إلى أنّ السّرر الوسط، فسرارة الوادي وسطه وخياره، وسرار الأرض أكرمها وأوسطها، ويؤيّده النّدب إلى صيام البيض، وهي وسط الشّهر، وأنّه لم يرد في صيام آخر الشّهر ندب، ورجّح هذا القول النّوويّ‏.‏

وذهب الأوزاعيّ وسعيد بن عبد العزيز إلى أنّ السّرر أوّل الشّهر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أيّام البيض‏:‏

2 - أيّام البيض‏:‏ هي الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر، وأصلها أيّام اللّيالي البيض‏.‏ وهي ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة وليلة خمس عشرة، وسمّيت هذه اللّيالي بالبيض لاستنارة جميعها بالقمر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

اختلاف الفقهاء في معنى السّرر اصطلاحاً يقتضي بيان الحكم التّكليفيّ للسّرر بشتّى المعاني‏:‏

3 - صيام أوّل الشّهر‏:‏ ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه كان يصوم أوّل مطلع كلّ شهر ثلاثة أيّام، فقد روى عنه عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه «أنّه كان صلى الله عليه وسلم يصوم من غرّة كلّ شهر ثلاثة أيّام»‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ مصطلح صوم التّطوّع‏)‏‏.‏

4 - صوم يوم الشّكّ‏:‏ وهو يوم الثّلاثين من شعبان إذا تردّد النّاس في كونه من رمضان، للفقهاء عبارات متقاربة في تحديده، واختلفوا في حكمه مع اتّفاقهم على عدم الكراهة وإباحة صومه إن صادف عادةً للمسلم بصوم تطوّع كيوم الاثنين أو الخميس، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تقدّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلاّ رجل كان يصوم صوماً فليصمه»‏.‏

ولقول عمّار رضي الله عنه‏:‏ «من صام اليوم الّذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» ر‏:‏ التّفصيل في مصطلح ‏(‏صوم التّطوّع‏)‏‏.‏

صيام النّصف من شعبان‏:‏

5 - ذهب جمهور العلماء إلى جواز صيام النّصف من شعبان وما بعده، لحديث عمران بن حصين «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا فلان أما صمت سرر هذا الشّهر ‏؟‏ قال الرّجل‏:‏ لا يا رسول اللّه، قال‏:‏ فإذا أفطرت فصم يومين من سرر شعبان»، وهذا على قول من فسّر السّرر بالوسط‏.‏

وذهب الحنابلة إلى كراهية صيام النّصف من شعبان لحديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا»‏.‏

وحرّمه الشّافعيّة لحديث النّهي عن صيام النّصف، ولأنّه ربّما أضعف الصّائم عن صيام رمضان، وجمع الطّحاويّ بين حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو النّهي، وحديث النّهي عن تقدّم رمضان بالصّيام إلاّ إذا كان صوماً يصومه، بأنّ الحديث الأوّل محمول على من يضعفه الصّوم، والثّاني مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وحسّن الجمع ابن حجر‏.‏ ر‏:‏ التّفصيل في مصطلحي‏:‏ ‏(‏صوم، وصوم التّطوّع‏)‏‏.‏

سرف

انظر‏:‏ إسراف‏.‏

سرقة

التّعريف

1 - في اللّغة‏:‏ السّرقة أخذ الشّيء من الغير خفيةً‏.‏ يقال‏:‏ سرق منه مالاً، وسرقه مالاً يسرقه سرقاً وسرقةً‏:‏ أخذ ماله خفيةً، فهو سارق‏.‏

ويقال‏:‏ سرق أو استرق السّمع والنّظر‏:‏ سمع أو نظر مستخفياً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي أخذ العاقل البالغ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاب، ملكاً للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية‏.‏

وزاد المالكيّة‏:‏ أخذ مكلّف طفلاً حرّاً لا يعقل لصغره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاختلاس‏:‏

2 - يقال خلس الشّيء أو اختلسه، أي‏:‏ استلبه في نهزة ومخاتلة‏.‏

والمختلس‏:‏ هو الّذي يأخذ المال جهرةً معتمداً على السّرعة في الهرب‏.‏

فالفرق بين السّرقة والاختلاس‏:‏ أنّ الأولى عمادها الخفية، والاختلاس يعتمد المجاهرة‏.‏ ولذا ورد في الحديث‏:‏ «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع»‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏اختلاس‏)‏‏.‏

ب - جحد الأمانة، أو خيانتها‏:‏

3 - الجحد أو الجحود‏:‏ الإنكار، ولا يكون إلاّ على علم من الجاحد به‏.‏

والجاحد أو الخائن‏:‏ هو الّذي يؤتمن على شيء بطريق العاريّة أو الوديعة فيأخذه ويدّعي ضياعه، أو ينكر أنّه كان عنده وديعةً أو عاريّةً‏.‏

فالفرق بين السّرقة والخيانة يرجع إلى قصور في الحرز عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ورواية عند الحنابلة‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إنكار‏)‏‏.‏

ج - الحرابة‏:‏

4 - الحرابة‏:‏ البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرعاب على سبيل المجاهرة مكابرةً اعتماداً على القوّة مع البعد عن الغوث‏.‏ وتسمّى قطع الطّريق، والسّرقة الكبرى‏.‏

ويفرّق بينها وبين السّرقة بأنّ الحرابة هي البروز لأخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرةً اعتماداً على الشّوكة مع البعد عن الغوث، أمّا السّرقة فهي أخذ المال خفيةً‏.‏

فالحرابة تكتمل بالخروج على سبيل المغالبة وإن لم يؤخذ مال، أمّا السّرقة فلا بدّ فيها من أخذ المال على وجه الخفية‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏حرابة‏)‏‏.‏

د - الغصب‏:‏

5 - الغصب في اللّغة‏:‏ أخذ الشّيء ظلماً مجاهرةً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الاستيلاء على حقّ الغير عدواناً‏.‏

فالفرق بين الغصب والسّرقة‏:‏ أنّ الأوّل يتحقّق بالمجاهرة، في حين يشترط في السّرقة أن يكون الأخذ سرّاً من حرز مثله‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏غصب‏)‏‏.‏

هـ - النّبش‏:‏

6 - يقال‏:‏ نبشته نبشاً، أي استخرجته من الأرض، ونبشت الأرض‏:‏ كشفتها‏.‏ ومنه‏:‏ نبش الرّجل القبر‏.‏

والنّبّاش‏:‏ هو الّذي يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكمه وفي اعتباره سارقاً، فذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ‏"‏ من الحنفيّة إلى اعتبار النّبّاش سارقاً، لانطباق حدّ السّرقة عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حرّق حرّقناه، ومن غرّق غرّقناه، ومن نبش قطّعناه»‏.‏

وذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى عدم اعتبار النّبّاش سارقاً لأنّه يأخذ ما لا مالك له وليس مرغوباً فيه، واشتراط الخفية والحرز لا يجعل هذا النّوع من الأخذ سرقةً‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نبش‏)‏‏.‏

و - النّشل‏:‏

7 - نشل الشّيء نشلاً‏:‏ أسرع نزعه‏.‏ يقال‏:‏ نشل اللّحم من القدر، ونشل الخاتم من اليد‏.‏ والنّشّال‏:‏ المختلس الخفيف اليد من اللّصوص، يشقّ ثوب الرّجل ويسلّ ما فيه على غفلة من صاحبه‏.‏ ويعبّر عنه بالطّرّار، من طررته طرّاً‏:‏ إذا شققته‏.‏

ولا يختلف اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ، فالطّرّار أو النّشّال هو الّذي يسرق النّاس في يقظتهم بنوع من المهارة وخفّة اليد‏.‏

فالفرق بين النّشل أو الطّرّ بين السّرقة يتمثّل في تمام الحرز‏.‏

ولهذا اختلف الفقهاء في تطبيق حدّ السّرقة على النّشّال فجمهورهم يسوّي بين السّارق والطّرّار سواء شقّ الكمّ أو القميص وأخذ منها ما يبلغ النّصاب، أو أدخل يده فأخذ دون شقّ لأنّ الإنسان يعتبر حرزاً لكلّ ما يلبسه أو يحمله من نقود وغيرها‏.‏

وبعضهم يرى أنّه إذا أدخل يده في الكمّ أو في الجيب فأخذ من غير شقّ، أو شقّ غيرهما مثل الصّرّة، فلا يطبّق عليه‏.‏

حدّ السّرقة، لعدم اكتمال الأخذ من الحرز‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نشل‏)‏‏.‏

ز - النّهب‏:‏

8 - نهب الشّيء نهباً‏:‏ أخذه قهراً‏.‏ والنّهب‏:‏ الغارة‏:‏ والغنيمة‏:‏ والشّيء المنهوب وهو الغلبة على المال والقهر‏.‏

قال الأزهريّ‏:‏ والنّهب‏:‏ ما انتهب من المال بلا عوض، يقال‏:‏ أنهب فلان ماله‏:‏ إذا أباحه لمن أخذه، ولا يكون نهباً حتّى تنتهبه الجماعة، فيأخذ كلّ واحد شيئاً، وهي النّهبة‏.‏

ومن هذا يظهر أنّ الفرق بين النّهب والسّرقة‏.‏ يعود إلى شبه الخفية، وهو لا يتوافر في النّهب ولهذا ورد في الحديث‏:‏ «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع»‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نهب‏)‏‏.‏

أركان السّرقة

9 - للسّرقة أربعة أركان‏:‏ السّارق، والمسروق منه، والمال المسروق، والأخذ خفيةً‏.‏

الرّكن الأوّل‏:‏ السّارق

10 - يجب - لإقامة حدّ السّرقة - أن تتوافر في السّارق خمسة شروط‏:‏

أن يكون مكلّفاً، وأن يقصد فعل السّرقة، وألاّ يكون مضطرّاً إلى الأخذ، وأن تنتفي الجزئيّة بينه وبين المسروق منه، وألاّ تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ‏.‏

الشّرط الأوّل‏:‏ التّكليف‏:‏

11 - لا يقام الحدّ على السّارق ذكراً كان أو أنثى إلاّ إذا كان مكلّفاً، أو بالغاً عاقلاً‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تكليف‏)‏‏.‏

أ - ويعتبر الشّخص بالغاً إذا توافرت فيه إحدى علامات البلوغ‏.‏ ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏بلوغ‏)‏‏.‏ أمّا من كان دون البلوغ فلا حدّ عليه لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة عن النّائم حتّى يستيقظ وعن المبتلى حتّى يبرأ وعن الصّبيّ حتّى يكبر»‏.‏

ولذا قال ابن حجر‏:‏ أجمع العلماء على أنّ الاحتلام في الرّجال والنّساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام‏.‏

ب - واتّفقوا كذلك على اشتراط العقل لإقامة الحدّ على السّارق، إذ أنّه مناط التّكليف، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السّابق‏:‏ «وعن المجنون حتّى يعقل»‏.‏

هذا إن كان المجنون مطبقاً، فأمّا إن كان غير مطبق وجب الحدّ إن سرق في حال الإفاقة، ولا يجب إن سرق في حال الجنون‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏جنون‏)‏‏.‏

ج - وقد ألحق الفقهاء المعتوه بالمجنون، لأنّ العته نوع جنون فيمنع أداء الحقوق‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏عته‏)‏‏.‏

د - ولا يجب إقامة الحدّ إذا صدرت السّرقة من النّائم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدّم‏:‏ «وعن النّائم حتّى يستيقظ»‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نوم‏)‏‏.‏

هـ - كذلك لا يقام الحدّ على المغمى عليه إذا سرق حال إغمائه‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إغماء‏)‏‏.‏

و - أمّا من يسرق وهو سكران، فقد اختلفت في حكمه أقوال الفقهاء‏:‏

فبعضهم يرى أنّ عقله غير حاضر، فلا يؤاخذ بشيء مطلقاً إلاّ حدّ السّكر‏.‏ سواء أكان متعدّياً بسكره أم كان غير متعدّ به‏.‏

غير أنّ جمهور الفقهاء يفرّق بين حالتين‏:‏ إذا كان السّكران قد تعدّى بسكره، فإنّ حدّ السّرقة يقام عليه، سدّاً للذّرائع، حتّى لا يقصد من يريد ارتكاب جريمة إلى الشّرب درءاً لإقامة الحدّ عليه‏.‏ أمّا إذا لم يكن متعدّياً بالسّكر فيدرأ عنه الحدّ، لقيام عذره وانتفاء قصده‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏سكر‏)‏‏.‏

ز - وممّا يلتحق بمسألة التّكليف‏:‏ اشتراط كون السّارق ملتزماً أحكام الإسلام حتّى تثبت ولاية الإمام عليه‏.‏ ولذا لا يقام حدّ السّرقة على الحربيّ غير المستأمن لعدم التزامه أحكام الإسلام، ويقام الحدّ على الذّمّيّ لأنّه بعقد الذّمّة يلتزم بأحكام الإسلام وتثبت ولاية الإمام عليه‏.‏ انظر مصطلحي‏:‏ ‏(‏أهل الحرب، وأهل الذّمّة‏)‏‏.‏

12 - أمّا الحربيّ المستأمن‏:‏ فإن سرق من مستأمن آخر لا يقام عليه الحدّ لعدم التزام أيّ منهما أحكام الإسلام‏.‏ وإن سرق من مسلم أو ذمّيّ ففي إقامة الحدّ عليه أقوال مختلفة‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والحنابلة وأبو يوسف ‏"‏ إلى وجوب إقامة الحدّ عليه لأنّ دخوله في الأمان يجعله ملتزماً الأحكام‏.‏

وذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى عدم إقامة الحدّ عليه، لأنّه غير ملتزم بأحكام الإسلام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

وعند الشّافعيّة ثلاثة أقوال‏:‏ أظهرها‏:‏ أنّه لا يقام عليه الحدّ كالحربيّ‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّ المستأمن يقام عليه حدّ السّرقة كالذّمّيّ‏.‏

والثّالث‏:‏ يفصّل بالنّظر إلى عقد الأمان‏:‏ فإن شرط فيه إقامة الحدود عليه وجب القطع، وإلاّ فلا حدّ ولا قطع‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ القصد

13 - لا يقام الحدّ على السّارق إلاّ إذا كان يعلم بتحريم السّرقة، وأنّه يأخذ مالاً مملوكاً لغيره دون علم مالكه وإرادته، وأن تنصرف نيّته إلى تملّكه، وأن يكون مختاراً فيما فعل، وفيما يلي تفصيل ذلك‏:‏

أ - أن يعلم السّارق بتحريم الفعل الّذي اقترفه، فالجهالة بالتّحريم ممّن يعذر بالجهل شبهة تدرأ الحدّ‏.‏ وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما‏:‏ لا حدّ إلاّ على من علمه‏.‏ أمّا عدم العلم بالعقوبة فلا يعدّ من الشّبهات الّتي تدرأ الحدّ‏.‏

ب - أن يعلم السّارق أنّ ما يأخذه مملوك لغيره، وأنّه قد أخذه دون علم مالكه ودون رضاه‏.‏ وعلى ذلك لا يقام الحدّ على من أخذ مالاً وهو يعتقد أنّه مال مباح أو متروك‏.‏

ولا يقام الحدّ على المؤجّر الّذي يأخذ العين الّتي آجرها، ولا على المودع الّذي يأخذ الوديعة دون رضا الوديع‏.‏

ج - أن تنصرف نيّة الآخذ إلى تملّك ما أخذه، ولهذا لا يقام حدّ السّرقة على من أخذ مالاً مملوكاً لغيره دون أن يقصد تملّكه، كأن أخذه ليستعمله ثمّ يردّه، أو أخذه على سبيل الدّعابة، أو أخذه لمجرّد الاطّلاع عليه، أو أخذه معتقداً أنّ مالكه يرضى بأخذه، ما دامت القرائن تدلّ على ذلك، ومن القرائن الّتي تدلّ على نيّة التّملّك، إخراج المال من الحرز لغير ما سبق، بحيث يعتبر سارقاً لتوافر قصد التّملّك حينئذ ولو أتلفه بمجرّد إخراجه - أمّا لو أتلف داخل الحرز فلا تظهر نيّة التّملّك، ولهذا لا يقام عليه الحدّ‏.‏

د - لا يقام الحدّ على السّارق إلاّ إذا كان مختاراً فيما أقدم عليه، فإن كان مكرهاً انعدم القصد وسقط الحدّ عند من يرى أنّ السّرقة تباح بالإكراه، لأنّ الإكراه شبهة، والحدود تدرأ بالشّبهات لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»‏.‏

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الإكراه الّذي يرفع الإثم ولا يترتّب عليه أثر هو ما يكون في جانب الأقوال، وأمّا الإكراه على الأفعال ففي حكمه تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏إكراه من الموسوعة 6 / 98 - 112‏)‏‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ عدم الاضطرار أو الحاجة

14 - أ - الاضطرار شبهة تدرأ الحدّ، والضّرورة تبيح للآدميّ أن يتناول من مال الغير بقدر الحاجة ليدفع الهلاك عن نفسه، فمن سرق ليردّ جوعاً أو عطشاً مهلكاً فلا عقاب عليه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا قطع في زمن المجاع»‏.‏

ب - والحاجة أقلّ من الضّرورة، فهي كلّ حالة يترتّب عليها حرج شديد وضيق بيّن، ولذا فإنّها تصلح شبهةً لدرء الحدّ، ولكنّها لا تمنع الضّمان والتّعزير‏.‏

من أجل ذلك أجمع الفقهاء على أنّه لا قطع بالسّرقة عام المجاعة، وفي ذلك يقول ابن القيّم‏:‏ ‏"‏ وهذه شبهة قويّة تدرأ الحدّ عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشّبه الّتي يذكرها كثير من الفقهاء، لا سيّما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسدّ به رمقه‏.‏ وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرّون، ولا يتميّز المستغني منهم والسّارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحدّ بمن لا يجب عليه فدرئ ‏"‏‏.‏

وقد حدّد النّبيّ صلى الله عليه وسلم المقدار الّذي يكفي حاجة المضطرّ بقوله‏:‏ «كل ولا تحمل، واشرب ولا تحمل»، وذلك في معرض الرّدّ على من سأل أرأيت إن احتجّنا إلى الطّعام والشّراب ‏؟‏‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏ انتفاء القرابة بين السّارق والمسروق منه

15 - قد يكون السّارق أصلاً للمسروق منه، كما قد يكون فرعاً له، وقد تقوم بينهما صلة قرابة أخرى، وقد تربط بينهما رابطة الزّوجيّة، وحكم إقامة الحدّ يختلف في كلّ من هذه الحالات‏:‏

أ - سرقة الأصل من الفرع‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا قطع في سرقة الوالد من مال ولده وإن سفل، لأنّ للسّارق شبهة حقّ في مال المسروق منه فدرئ الحدّ‏.‏ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لمن جاء يشتكي أباه الّذي يريد أن يجتاح ماله‏:‏ «أنت ومالك لأبيك»، واللّام هنا للإباحة لا للتّمليك‏.‏ فإنّ مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه‏.‏

ب - سرقة الفرع من الأصل‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ إلى أنّه لا قطع في سرقة الولد من مال أبيه وإن علا، لوجوب نفقة الولد في مال والده، ولأنّه يرث ماله، وله حقّ دخول بيته، وهذه كلّها شبهات تدرأ عنه الحدّ‏.‏

أمّا المالكيّة فإنّهم لا يرون في علاقة الابن بأبيه شبهةً تدرأ عنه حدّ السّرقة، ولذلك يوجبون إقامة الحدّ في سرقة الفروع من الأصول‏.‏

ج - سرقة الأقارب بعضهم من بعض‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏"‏ إلى أنّ سرقة الأقارب بعضهم من بعض ليست شبهةً تدرأ الحدّ عن السّارق، ولهذا أوجبوا القطع على من سرق من مال أخيه أو أخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته، أو ابن أو بنت أحدهم، أو أمّه أو أخته من الرّضاعة، أو امرأة أبيه أو زوج أمّه، أو ابن امرأته أو بنتها أو أمّها، حيث لا يباح الاطّلاع على الحرز،ولا تردّ شهادة بعض هؤلاء للبعض الآخر‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّه لا قطع على من سرق من ذي رحم محرم، كالأخ والأخت والعمّ والعمّة والخال والخالة، لأنّ دخول بعضهم على بعض دون إذن عادةً يعتبر شبهةً تسقط الحدّ، ولأنّ قطع أحدهم بسبب سرقته من الآخر يفضي إلى قطع الرّحم وهو حرام بناءً على قاعدة‏:‏ ما أفضى إلى الحرام فهو حرام‏.‏ أمّا من سرق من ذي رحم غير محرم كابن العمّ أو بنت العمّ، وابن العمّة أو بنت العمّة، وابن الخال أو بنت الخال، وابن الخالة أو بنت الخالة، فيقام عليه حدّ السّرقة لأنّهم لا يدخل بعضهم على بعض عادةً، فالحرز كامل في حقّهم‏.‏ واختلف الحنفيّة في سرقة المحارم غير ذوي الرّحم بعضهم من بعض كالأمّ من الرّضاعة والأخت من الرّضاعة، فذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى إقامة الحدّ على السّارق، أمّا أبو يوسف فلا يرى أن يقام الحدّ على من سرق من مال أمّه الّتي أرضعته، لأنّه يدخل بيتها دون إذن عادةً، فلم يكتمل الحرز‏.‏

د - السّرقة بين الأزواج‏:‏ اتّفق جمهور الفقهاء على عدم إقامة الحدّ إذا سرق أحد الزّوجين من مال الآخر وكانت السّرقة من حرز قد اشتركا في سكناه، لاختلال شرط الحرز، وللانبساط بينهما في الأموال عادةً، ولأنّ بينهما سبباً يوجب التّوارث بغير حجب‏.‏

16 - أمّا إذا كانت السّرقة من حرز لم يشتركا في سكناه، أو اشتركا في سكناه ولكنّ أحدهما منع من الآخر مالاً أو حجبه عنه، فقد اختلف الفقهاء في حكم السّرقة منه‏:‏

فيرى الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة والرّواية الرّاجحة عند الحنابلة‏:‏ أنّه لا قطع على واحد منهما، لما بين الزّوجين من الانبساط في الأموال عادةً ودلالةً، وقياساً على الأصول والفروع لأنّ بينهما سبباً يوجب التّوارث من غير حجب‏.‏

أمّا المالكيّة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة فإنّهم يوجبون الحدّ على السّارق في هذه المسألة، لعموم آية السّرقة، لأنّ الحرز هنا تامّ، وربّما لا يبسط أحدهما للآخر في ماله، فأشبه سرقة الأجنبيّ‏.‏

وهناك قول ثالث للشّافعيّة وهو‏:‏ وجوب قطع الزّوج إذا سرق من مال زوجته ما هو محرز عنه ولا تقطع الزّوجة إذا سرقت من مال زوجها ولو كان محرزاً عنها، لأنّ الزّوجة تستحقّ النّفقة على زوجها، فصار لها شبهة تدرأ عنها الحدّ، بخلاف الزّوج فلا تقوم به شبهة تدرأ عنه الحدّ إذا سرق من مالها المحرز عنه‏.‏

17 - هذا هو حكم السّرقة بين الأزواج ما دامت الزّوجيّة قائمةً‏.‏

فلو وقع الطّلاق وانقضت العدّة صارا أجنبيّين ووجب قطع السّارق‏.‏ أمّا السّرقة أثناء العدّة من الطّلاق الرّجعيّ فتأخذ حكم السّرقة بين الأزواج، لبقاء الزّوجيّة إلى أن تنتهي العدّة‏.‏ فإن وقعت السّرقة أثناء العدّة من الطّلاق البائن أقيم الحدّ، على رأي جمهور الفقهاء، لانتهاء الزّوجيّة‏.‏

ولكنّ أبا حنيفة يذهب إلى عدم إقامة الحدّ على أيّ منهما بسرقة مال الآخر، لبقاء الحبس في العدّة ووجوب السّكنى، فبقي أثر النّكاح، فأورث شبهةً تدرأ الحدّ‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ قيام الزّوجيّة بعد السّرقة لا أثر له بالنّسبة للحدّ، لأنّ السّرقة تمّت بين أجنبيّين‏.‏

ولا يخالف في ذلك إلاّ الحنفيّة، فعندهم‏:‏ لو سرق من أجنبيّة ثمّ تزوّجها قبل أن يحكم عليه بالقطع لم يقم عليه الحدّ، لأنّ الزّواج مانع طرأ على الحدّ، والمانع الطّارئ له حكم المانع المقارن‏.‏ وكذلك الحكم إذا سرق من مالها ثمّ تزوّجها بعد القضاء بالحدّ وقبل تنفيذه، لأنّ الإمضاء في الحدود من تمام القضاء، فكانت الشّبهة مانعةً من الإمضاء‏.‏

الشّرط الخامس‏:‏ انتفاء شبهة استحقاقه المال

18 - إذا كان للسّارق شبهة ملك أو استحقاق في المال المسروق، فلا يقام عليه الحدّ، كما لو كان شريكاً في المال المسروق، أو سرق من بيت المال، أو من مال موقوف عليه وعلى غيره، أو سرق من مال مدينه، أو ما شابه ذلك‏.‏

19 - أ - سرقة الشّريك من مال الشّركة‏:‏ اختلف الفقهاء في حكم سرقة الشّريك من المال المشترك‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ عندهم والحنابلة إلى عدم إقامة الحدّ، لأنّ للسّارق حقّاً في هذا المال، فكان هذا الحقّ شبهةً تدرأ عنه الحدّ‏.‏

وذهب المالكيّة إلى إيجاب القطع إن تحقّق شرطان، أحدهما‏:‏ أن يكون المال في غير الحرز المشترك، كأن يكون الشّريكان قد أودعاه عند غيرهما، فإن لم يكن المال محجوباً عنهما وسرق أحدهما منه فلا يجوز القطع‏.‏

والشّرط الآخر‏:‏ أن يكون فيما سرق من حصّة صاحبه فضل عن جميع حصّته ربع دينار فصاعداً‏.‏

وللشّافعيّة في سرقة الشّريك من مال الشّركة قولان‏:‏ الرّاجح منهما أن لا قطع، والقول الآخر إيجاب القطع، لأنّه لا حقّ للشّريك في نصيب شريكه، فإذا سرق نصف دينار من المال المشترك بينهما بالسّويّة كان سارقاً لنصاب من مال شريكه فيقطع به‏.‏

20 - ب - السّرقة من بيت المال‏:‏ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم إقامة الحدّ على من سرق من بيت المال، إذا كان السّارق مسلماً، غنيّاً كان أو فقيراً، لأنّ لكلّ مسلم حقّاً في بيت المال، فيكون هذا الحقّ شبهةً تدرأ الحدّ عنه، كما لو سرق من مال له فيه شركة‏.‏ وقد روي أنّ عبد اللّه بن مسعود كتب إلى عمر بن الخطّاب يسأله عمّن سرق من بيت المال، فقال‏:‏ أرسله، فما من أحد إلاّ وله في هذا المال حقّ‏.‏

ويوجب المالكيّة وهو الرّأي المرجوح عند الشّافعيّة إقامة الحدّ على السّارق من بيت المال، لعموم نصّ الآية، وضعف الشّبهة، لأنّه سرق مالاً من حرز لا شبهة له فيه في عينه، ولا حقّ له فيه قبل حاجته إليه‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بالنّسبة للسّرقة من بيت المال بين أنواع ثلاثة‏:‏

أولاً - إن كان المال محرزاً لطائفة هو منها أو أحد أصوله أو فروعه منها، فلا قطع لوجود الشّبهة، حتّى ولو لم يكن لهم سهم مقدّر‏.‏

ثانياً - وإن كان المال محرزاً لطائفة ليس هو ولا أحد أصوله أو فروعه منها، وجب قطعه لعدم الشّبهة الدّارئة للحدّ‏.‏

ثالثاً - وإن كان المال غير محرز لطائفة بعينها، فالأصحّ‏:‏ أنّه إن كان له حقّ في المسروق، كمال المصالح ومال الصّدقة وهو فقير أو في حكمه كالغارم والغازي والمؤلّفة قلوبهم، فلا قطع للشّبهة، وإن لم يكن له فيه حقّ قطع، لانتفاء الشّبهة‏.‏

21 - ج - السّرقة من المال الموقوف‏:‏ اختلف الفقهاء في حكم سرقة المال الموقوف‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى عدم إقامة الحدّ على من سرق من المال الموقوف، لأنّه إن كان وقفاً عامّاً فإنّه يأخذ حكم بيت المال، وإن كان وقفاً خاصّاً على قوم محصورين فلعدم المالك حقيقةً، سواء كان السّارق منهم أوّلاً‏.‏

وصرّح بعضهم بأنّ السّارق إذا لم يكن داخلاً فيمن وقف المال عليهم فإنّه يقطع بطلب متولّي الوقف، ووجهه‏:‏ أنّ الوقف يبقى عندهم على ملك الواقف حقيقةً‏.‏

وعند المالكيّة يقام الحدّ على من سرق من المال الموقوف، سواء كان الوقف عامّاً أو خاصّاً، سواء أكان السّارق ممّن وقف المال عليهم أم كان من غيرهم، لأنّ تحريم بيع مال الوقف يقوّي جانب الملك فيه‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد فرّقوا بين الوقف العامّ فلا يقطع سارقه، وبين الوقف الخاصّ، فلا يقطع سارقه إن كان واحداً من أهله‏.‏ وإن كان من غير أهله فعندهم آراء ثلاثة‏:‏

أ - ظاهر المذهب‏:‏ أنّه يقطع، لأنّ تحريم بيعه يقوّي جانب الملك فيه‏.‏

ب - لا يقطع السّارق من هذا المال، لأنّه لا مالك له‏.‏

ج - إن قيل‏:‏ إنّ الموقوف مملوك الرّقبة، قطع سارقه‏.‏ وإن قيل‏:‏ إنّها لا تملك، فلا قطع، لأنّ ما لا يملك في حكم المباح وإن لم يستبح‏.‏

ويذهب الحنابلة إلى عدم إقامة الحدّ على من يسرق من الوقف العامّ، أو من يسرق من الوقف الخاصّ إذا كان واحداً من أهله، لوجود شبهة تدرأ الحدّ عنه‏.‏

أمّا من يسرق من مال الوقف الخاصّ ولم يكن من أهله، ففي حكمه روايتان‏:‏

أشهرهما‏:‏ إقامة الحدّ عليه لبقاء الوقف على ملك الواقف‏.‏

والأخرى‏:‏ لا يقام عليه الحدّ، لأنّ الوقف على قوم محصورين ليس له مالك حقيقةً‏.‏

22 - د - السّرقة من مال المدين‏:‏ إذا سرق الدّائن من مال مدينه ففي وجوب إقامة الحدّ عليه خلاف بين الفقهاء‏.‏

يفرّق الحنفيّة بين حالتين‏:‏ أن يكون المسروق من جنس الدّين،أو أن يكون من غير جنسه‏.‏

أ - فإن كان المسروق من جنس الدّين، فلا يقام الحدّ على السّارق، لأنّ للدّائن أن يأخذ جنس دينه من مال المدين، سواء كان الدّين حالّاً أم مؤجّلاً، وسواء كان المدين مقرّاً بالدّين باذلاً له، أم كان جاحداً له مماطلاً فيه‏.‏

وخالف في ذلك محمّد بن الحسن، إذ أطلق القطع بسرقة مال الغريم، لأنّ السّارق يأخذ مالاً لا يملكه، والغريم وغيره في ذلك سواء‏.‏

ب - وإن لم يكن المسروق من جنس الدّين، بأن كان الدّين دنانير فسرق عروضاً، وجب إقامة الحدّ، لضرورة التّراضي في المعاوضات، ولاختلاف القيم باختلاف الأغراض‏.‏

إلاّ إذا ادّعى السّارق أنّه أخذه رهنًا بحقّه، فلا يقطع، لوجود شبهة تدرأ عنه الحدّ، حيث إنّه اعتبر المعنى - وهي الماليّة لا الصّورة - والأموال كلّها في معنى الماليّة متجانسةً، فكان أخذاً عن تأويل فلا يقطع‏.‏ ويفرّق المالكيّة بين حالتين‏:‏

أ - أن يكون المدين مقرّاً بالدّين غير ممتنع عن أدائه متى حلّ أجله، وفي هذه الحالة يقام الحدّ على الدّائن إذا سرق مقدار دينه أو أكثر لعدم وجود شبهة، إذ إنّه يستطيع الحصول على حقّه من غير أن يسرق‏.‏

ب - أن يكون المدين جاحداً للدّين أو مماطلاً فيه‏:‏ فلا قطع على الدّائن إن سرق قدر دينه، سواء أكان من جنسه أم لا‏.‏

فإن أخذ أكثر من دينه بما يبلغ نصاباً، قطع لتعدّيه بأخذ ما ليس من حقّه‏.‏

ويذهب الشّافعيّة إلى التّفرقة بين حالتين‏:‏

أ - إقامة الحدّ على السّارق إذا كان المدين مليئاً غير جاحد للدّين، أو كان الدّين مؤجّلاً ولم يحلّ أجله، إذ لا شبهة له حينئذ‏.‏

ب - عدم إقامة الحدّ على الدّائن إذا كان المدين جاحداً أو مماطلاً والدّين حالّ، سواء أخذ الدّائن مقدار دينه أو أكثر، لأنّه إن أخذ مقدار دينه فهو مأذون في استيفاء حقّه، وإن أخذ أكثر لا يقطع، لأنّ المال لم يبق محرزاً عنه ما دام قد أبيح له الدّخول لاستيفاء حقّه‏.‏ ويفرّق الحنابلة بين ثلاث حالات‏:‏

أ - إن كان المدين باذلاً غير ممتنع عن أداء ما عليه، ثمّ ترك الدّائن مطالبته، وعمد إلى سرقة حقّه، وجب قطعه إن بلغت قيمة المسروق نصاباً، إذ لا شبهة له في الأخذ ما دام الوصول إلى حقّه ميسوراً‏.‏

ب - وإن عجز الدّائن عن استيفاء حقّه فسرق قدر دينه فلا يقام عليه الحدّ لأنّ اختلاف الفقهاء في إباحة أخذه حقّه يورث شبهةً تدرأ عنه الحدّ، كالوطء في نكاح مختلف في صحّته‏.‏

ج - وإن عجز ربّ الدّين عن استيفاء حقّه فأخذ من مال مدينه أكثر من حقّه، وبلغت الزّيادة نصاباً‏:‏ فإن أخذ الزّائد من نفس المكان الّذي فيه ماله، فلا قطع، لأنّ هتك الحرز لأخذ ماله جعل المكان غير محرز بالنّسبة لكلّ ما فيه‏.‏

وإن أخذ الزّائد من غير الحرز الّذي فيه ماله وجب القطع، لعدم الشّبهة‏.‏

الرّكن الثّاني‏:‏ المسروق منه

23 - الرّكن الثّاني من أركان السّرقة وجود مسروق منه، لأنّ المسروق إذا لم يكن مملوكاً، بأن كان مباحاً أو متروكاً، فلا يعاقب من يأخذه‏.‏

ولكنّ الفقهاء يشترطون في المسروق منه لكي تكتمل السّرقة‏:‏ أن يكون معلوماً، وأن تكون يده صحيحةً على المال المسروق، وأن يكون معصوم المال، وفيما يلي بيان هذه الشّروط‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون المسروق منه معلوماً

23 م - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ إلى درء الحدّ عن السّارق إذا كان المسروق منه مجهولاً، بأن ثبتت السّرقة ولم يعرف من هو صاحب المال المسروق، لأنّ إقامة الحدّ تتوقّف على دعوى المالك أو من في حكمه، ولا تتحقّق الدّعوى مع الجهالة‏.‏ غير أنّ هذا لا يمنع من حبس السّارق حتّى يحضر من له حقّ الخصومة ويدّعي ملكيّة المال‏.‏ وذهب المالكيّة إلى إقامة الحدّ على السّارق متى ثبتت السّرقة، دون تفرقة بين ما إذا كان المسروق منه معلوماً أو مجهولاً، لأنّ إقامة الحدّ عندهم لا تتوقّف على خصومة المسروق منه‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون للمسروق منه يد صحيحة على المسروق

24 - بأن يكون مالكًا له أو وكيل المالك أو مضارباً أو مودعاً أو مستعيراً أو دائناً مرتهناً أو مستأجراً أو عامل قراض أو قابضاً على سوم الشّراء، لأنّ هؤلاء ينوبون مناب المالك في حفظ المال وإحرازه، وأيديهم كيده‏.‏

فأمّا إن كانت يد المسروق منه غير صحيحة على المال المسروق، كما لو سرق من غاصب أو سارق، فقد اختلف الفقهاء في حكمه‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى التّفرقة بين السّارق من الغاصب والسّارق من السّارق‏.‏ فقالوا بإقامة الحدّ على السّارق من الغاصب، لأنّ يده يد ضمان، فهي يد صحيحة، وعدم إقامة الحدّ على السّارق من السّارق لأنّ يده ليست يد ملك ولا يد أمانة ولا يد ضمان، فلا تكون يداً صحيحةً‏.‏

ويرى المالكيّة - وهو رأي مرجوح للشّافعيّة - إقامة الحدّ على السّارق من الغاصب أو السّارق من السّارق، لأنّه سرق مالاً محرزاً لا شبهة له فيه، ذلك أنّ يد المالك لهذا المال لا تزال باقيةً عليه رغم سرقته أو غصبه، أمّا يد السّارق الأوّل ويد الغاصب فليس لهما أيّ أثر‏.‏

أمّا الحنابلة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة فقد ذهبوا إلى عدم إقامة الحدّ على السّارق من الغاصب، ولا على السّارق من السّارق، لأنّهم يشترطون لتمام السّرقة أن يكون المال المسروق بيد المالك أو نائبه، ومن يأخذ من يد أخرى فكأنّه وجد مالاً ضائعاً فأخذه‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ أن يكون المسروق منه معصوم المال

25 - بأن يكون مسلماً أو ذمّيّاً، فأمّا إذا كان مستأمناً أو حربيّاً فلا يقطع سارقه، وذلك على التّفصيل الآتي‏:‏

أ - سرقة مال المسلم‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّ مال المسلم معصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ لامرئ من مال أخيه شيء إلاّ عن طيب نفس منه»‏.‏

ولهذا وجب إقامة الحدّ على سارق مال المسلم سواء أكان السّارق مسلماً أم ذمّيّاً‏.‏

وأمّا إذا كان السّارق مستأمناً ففي إقامة الحدّ عليه آراء سبق عرضها‏.‏

ب - سرقة مال الذّمّيّ‏:‏ اتّفق الفقهاء على إقامة الحدّ على الذّمّيّ الّذي يسرق مال ذمّيّ آخر، لأنّ ماله معصوم إزاءه‏.‏

ويرى جمهور الفقهاء إقامة الحدّ كذلك على المسلم إذا سرق من مال الذّمّيّ، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» أمّا إذا كان السّارق مستأمناً ففي إقامة الحدّ عليه آراء سبق عرضها‏.‏

ج - سرقة مال المستأمن‏:‏ ذهب الحنفيّة - عدا زفر - والشّافعيّة إلى عدم إقامة الحدّ على المسلم إذا سرق من مال المستأمن، لأنّ في ماله شبهة الإباحة باعتبار أنّه من دار الحرب، وإنّما ثبتت العصمة بعارض أمان على شرف الزّوال،أي مشرف على الزّوال بانتهاء الأمان‏.‏ وذهب المالكيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة‏:‏ إلى أنّ مال المستأمن معصوم، فإذا سرق منه مسلم أو ذمّيّ أقيم عليه الحدّ‏.‏

د - سرقة مال الحربيّ‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّ مال الحربيّ هدر بالنّسبة إلى المسلم والذّمّيّ، ولهذا لا يقام الحدّ على أيّ منهما إذا سرق من هذا المال‏.‏

الرّكن الثّالث‏:‏ المال المسروق

26 - لا يقام حدّ السّرقة إلاّ أن يكون المال المسروق متقوّماً، وأن يبلغ نصاباً، وأن يكون محرزاً‏.‏

أ - أن يكون مالاً متقوّماً‏:‏

27 - للفقهاء في تحديد ماليّة الشّيء المسروق آراء تتّضح فيما يأتي‏:‏

أولاً - الحنفيّة‏:‏

28 - يشترط الحنفيّة، لإقامة حدّ السّرقة، أن يكون المسروق مالاً، متقوّماً، متموّلاً، غير مباح الأصل‏.‏

أ - أن يكون المسروق مالاً‏:‏ فلو سرق ما ليس بمال، كالإنسان الحرّ، فلا يقام عليه حدّ السّرقة، سواء كان المسروق صغيراً أو كبيراً، حتّى لو كان يرتدي ثياباً غالية الثّمن أو يحمل حليةً تساوي نصاباً، لأنّ ذلك تابع للصّبيّ ولا ينفرد بحكم خاصّ‏.‏

وخالف في هذا الحكم أبو يوسف‏:‏ فإنّه يرى إقامة الحدّ على سارق الصّبيّ إذا كان عليه حليّ أو ثياب تبلغ نصاباً، لأنّه يقطع بسرقة النّصاب منفرداً، فكذا إذا كان مع غيره‏.‏

ب - أن يكون المسروق متقوّماً، أي له قيمة يضمنها من يتلفه‏:‏ فلو سرق ما لا قيمة له في نظر الشّرع، كالخنزير والخمر والميتة وآلات اللّهو والكتب المحرّمة والصّليب والصّنم، فلا قطع عليه‏.‏ وخالف في بعض ذلك أبو يوسف فإنّه يرى إقامة الحدّ على من سرق صليباً تبلغ قيمته نصاباً إذا كان في حرزه كما يرى إقامة الحدّ على من سرق آنيةً فيها خمر، إذا بلغت قيمة الإناء وحده نصاباً‏.‏

ج - أن يكون المسروق متموّلاً، بأن يكون غير تافه ويمكن ادّخاره‏:‏ فأمّا إن كان تافهاً لا يتموّله النّاس لعدم عزّته وقلّة خطره، كالتّراب والطّين والتّبن والقصب والحطب ونحوها، فلا قطع فيه لأنّ النّاس لا يضنّون به عادةً، إلاّ إذا أخرجته الصّناعة عن تفاهته، كالقصب يصنع منه النّشّاب، ففي سرقته القطع‏.‏

وخالف في ذلك أبو يوسف، فإنّه يرى إقامة الحدّ على من سرق مالاً محرزاً تبلغ قيمته نصاباً، سواء أكان تافهاً أم عزيزاً، إلاّ الماء والتّراب والطّين والجصّ والمعازف، لأنّ كلّ ما جاز بيعه وشراؤه ووجب ضمان غصبه يقطع سارقه‏.‏

ولا يقام الحدّ كذلك إن كان المسروق ممّا لا يمكن ادّخاره، بأن كان ممّا يتسارع إليه الفساد‏.‏ وخالف في ذلك أبو يوسف فأوجب إقامة الحدّ على من يسرق شيئاً من ذلك، قياساً لما يتسارع إليه الفساد على ما لا يتسارع إليه بجامع أنّ كلّاً منهما يتموّل عادةً ويرغب فيه‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّه لا حدّ في سرقة الثّمار المعلّقة في أشجارها، وإن كانت هذه الأشجار محاطةً بما يحفظها من أيدي الغير، لأنّ الثّمر ما دام في شجره يتسارع إليه الفساد‏.‏

أمّا إذا قطع الثّمر ووضع في جرين، ثمّ سرق منه، فإن كان قد استحكم جفافه ففيه القطع ‏;‏ لأنّه صار مدّخراً ولا يتسارع إليه الفساد، وإن لم يكن قد استحكم جفافه فلا حدّ على من سرقه، لأنّه لا يقبل الادّخار حيث يتسارع إليه الفساد‏.‏

ولا يجب إقامة الحدّ على من يسرق المصحف، ولو كان عليه حلية تبلغ النّصاب، ولا على من يسرق كتب التّفسير والحديث والفقه ونحوها من العلوم النّافعة، لأنّ آخذها يتأوّل في أخذه القراءة والتّعلّم‏.‏

وذهب أبو يوسف إلى قطع سارق المصحف أو أيّ كتاب نافع، إذا بلغت قيمته نصاباً، لأنّ النّاس يعدّونه من نفائس الأموال‏.‏

د - أن يكون المسروق غير مباح الأصل بألاّ يكون جنسه مباحاً‏:‏ فلا يقام الحدّ على سارق الماء أو الكلأ أو النّار أو الصّيد، بريّاً كان أو بحريّاً، ولو دخلت في ملك مالك وأحرزها، لأنّها‏:‏ إمّا شركة بين النّاس وإمّا تافهة أو على وشك الانفلات‏.‏

وخالفهم أبو يوسف فأوجب الحدّ في كلّ ذلك‏.‏

على أنّه إذا كان مباح الأصل ذا قيمة تدعو من أحرزها إلى الحفاظ عليها والتّعلّق بها، فإنّ الحدّ يقام على سارقها متى بلغت نصاباً، وذلك مثل‏:‏ الذّهب والفضّة والأبنوس والصّندل والزّبرجد واللّؤلؤ والياقوت ونحوها‏.‏

ثانياً - المالكيّة‏:‏

29 - يشترط المالكيّة لإقامة الحدّ أن يكون المسروق مالاً محترماً شرعاً‏.‏

ورغم اشتراطهم الماليّة، فقد أوجبوا القطع على من سرق حرّاً صغيراً غير مميّز، إذا أخذه من حرز، بأن كان في بيت مغلق مثلاً، سواء أكانت ثيابه رثّةً أم جديدةً، وسواء أكانت عليه حلميّةً أم لا، وذلك لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أتي برجل يسرق الصّبيان، ثمّ يخرج فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقطعت يده»‏.‏ ولاشتراطهم في المال المسروق أن يكون محترماً شرعاً، لا يقيمون الحدّ على من يسرق الخمر أو الخنزير، ولو كانا لغير مسلم، ولا على من يسرق الكلب ولو معلّماً، أو كلب حراسة، لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ثمنه‏.‏ ولا على من يسرق آلات اللّهو كالدّفّ والطّبل والمزمار، أو أدوات القمار كالنّرد أو ما يحرم اقتناؤه كالصّليب والصّنم ونحوها‏.‏ ولكنّه لو كسرها داخل الحرز، ثمّ خرج من مكسرها ما قيمته نصاب، أقم عليه الحدّ لسرقته نصاباً محرزاً‏.‏

ولو سرق آنيةً فيها خمر، وكانت قيمة الآنية بدون الخمر تبلغ النّصاب، أقيم عليه الحدّ، ولكنّه لو سرق كتباً غير محترمة شرعاً، ككتب السّحر والزّندقة، فلا حدّ عليه، إلاّ إذا كانت قيمة الورق والجلد تبلغ نصاباً‏.‏

وفيما عدا ذلك فإنّ الحدّ يقام على من سرق مالاً محترماً شرعاً، سواء أكان تافهاً أم ثميناً، يمكن ادّخاره أو لا، مباح الأصل أو غير مباح‏.‏

كما يقام الحدّ على من سرق المصحف أو الكتب النّافعة، ما دامت قيمتها تبلغ النّصاب‏.‏

ولا يرى المالكيّة إقامة الحدّ على من يسرق من الثّمر المعلّق في شجره، أو من الزّرع قبل حصده، فإذا قطع الثّمر وحصد الزّرع ولم يصل إلى الجرين فعند المالكيّة ثلاثة أقوال‏:‏

الأوّل‏:‏ القطع سواء ضمّ بعضه إلى بعض أم لا‏.‏

الثّاني‏:‏ لا يقطع مطلقاً‏.‏

الثّالث‏:‏ إذا سرق قبل ضمّ بعضه إلى بعض لا يقطع فإذا ضمّ بعضه إلى بعض قطع‏.‏

وهذا الاختلاف محلّه إذا لم يكن حارس وإلاّ فلا خلاف في قطع سارقه وكذا إذا وصل إلى الجرين‏.‏

وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا قطع في ثمر ولا كثر، فإذا آواه الجرين قطع»‏.‏

وإذا كانت الثّمار معلّقةً في أشجارها، والزّرع لم يحصد، ولكنّه في بستان عليه حائط وله غلق، أقيم الحدّ على من يسرق منه نصاباً - في رأي - ولا يقام عليه الحدّ في رأي آخر وهو المنصوص‏.‏ أمّا إذا كانت الأشجار المثمرة داخل الدّار، فلا خلاف عندهم في قطع من يسرق منها ما قيمته نصاب، لتمام الحرز‏.‏

ثالثاً - الشّافعيّة‏:‏

30 - يشترط الشّافعيّة، لإقامة حدّ السّرقة، أن يكون المسروق مالاً محترماً شرعاً‏.‏

وعلى ذلك فإنّهم لا يقيمون الحدّ على من يسرق الحرّ، صغيراً كان أو كبيراً لأنّه ليس بمال‏.‏ فأمّا إن سرق صغيراً لا يميّز أو مجنوناً أو أعجميّاً أو أعمى، وعليه ثياب أو حلية أو معه مال يليق بمثله، فلا يقام عليه الحدّ - في الأصحّ - لأنّ للحرّ يداً على ما معه فصار كمن سرق جملاً وصاحبه راكبه، والرّأي الآخر في المذهب يرى إقامة الحدّ عليه إن بلغ ما معه نصاباً، لأنّه سرق لأجل ما معه‏.‏ فإن كان ما معه من مال أو ما عليه من ثياب أو حلية فوق ما يليق به‏.‏ وأخذ السّارق منه نصاباً من حرز مثله، أقيم عليه الحدّ بلا خلاف‏.‏ ولاشتراطهم أن يكون المال المسروق محترماً شرعاً، لا يقيمون الحدّ على من يسرق الخمر أو الخنزير أو الكلب أو جلد الميتة قبل دبغه‏.‏ فأمّا إذا سرق آلات اللّهو أو أدوات القمار أو آنية الذّهب والفضّة أو الصّنم أو الصّليب أو الكتب غير المحترمة شرعاً، فلا يقام عليه الحدّ إلاّ إذا بلغت قيمة ما سرقه نصاباً بعد كسره أو إفساده‏.‏

ويقام الحدّ عند الشّافعيّة على من يسرق المصحف أو الكتب المباحة إذا بلغت قيمة المسروق نصاباً ويقام الحدّ أيضاً إذا سرق مالاً قطع فيه، وكان متّصلاً بما فيه القطع، كإناء فيه خمر أو آلة لهو عليها حلية، ما دامت قيمة ما فيه القطع تبلغ النّصاب‏.‏

ولا حدّ عند الشّافعيّة في سرقة الثّمر المعلّق في شجره إذا لم يكن حارس، ولم يتّصل بجيران يلاحظونه، فإذا آواه الجرين أقيم الحدّ على من يسرق منه نصاباً‏.‏

وإقامة الحدّ على من يسرق نصاباً محرزاً من مال محترم شرعاً، لا يتوقّف على صفة المال، فلا فرق عندهم بين التّافه وغيره، ولا بين ما يمكن ادّخاره أو لا، ولا بين مباح الأصل أو غير مباحه‏.‏

رابعاً - الحنابلة‏:‏

31 - يشترط الحنابلة، لإقامة حدّ السّرقة، أن يكون المسروق مالاً محترماً شرعاً، وعلى ذلك‏:‏ فلا يقام الحدّ على سارق الحرّ، صغيراً كان أو كبيراً، لأنّه ليس بمال‏.‏ فإن كان معه مال أو عليه ثياب أو حلية تبلغ النّصاب، فعندهم روايتان‏:‏ الأولى‏:‏ إيجاب الحدّ على السّارق لأنّه قصد المال، والأخرى‏:‏ عدم إقامة الحدّ عليه،لأنّ ما معه تابع لما لا قطع فيه‏.‏ ولا يقام الحدّ عندهم على من يسرق شيئاً محرّماً، كالخمر والخنزير والميتة، سواء أكان مسلماً أم ذمّيّاً، ولا على من يسرق آلات اللّهو أو أدوات القمار وإن بلغت بعد إتلافها نصاباً، لأنّها تعين على المعصية فكان له الحقّ في أخذها وكسرها، وفي ذلك شبهة تدرأ الحدّ، أمّا إذا كان عليها حلية تبلغ نصاباً ففي إقامة الحدّ بسرقتها روايتان‏.‏

وإذا سرق صليباً من ذهب أو فضّة، فلا يقام الحدّ عليه في رواية، وفي الرّواية الأخرى يقام الحدّ إن بلغت قيمته نصاباً بعد كسره‏.‏

ومن يسرق آنية الذّهب أو الفضّة يقام عليه الحدّ إن بلغت قيمتها نصاباً بعد كسرها‏.‏

وإذا اتّصل ما لا قطع فيه بما فيه القطع، كإناء تبلغ قيمته النّصاب وفيه خمر، ففي المذهب روايتان، الأولى‏:‏ لا قطع لتبعيّته، والأخرى‏:‏ وجوب إقامة الحدّ‏.‏

وبعض الحنابلة يوجبون إقامة الحدّ في سرقة المصحف، لأنّه مال متقوّم‏.‏ والمذهب أنّه لا قطع بسرقته، لأنّ المقصود منه ما فيه من كلام اللّه تعالى، وهو ممّا لا يجوز أخذ العوض عنه، والمصحف المحلّى بحلية تبلغ نصابًا فيه الخلاف السّابق والمذهب أنّه لا قطع، لاتّصال الحلية بما لا قطع فيه، وبعضهم يرى أنّه يجب القطع، كما لو سرق الحلية وحدها‏.‏ ولا خلاف في المذهب على إقامة الحدّ بسرقة كتب الفقه والحديث وسائر العلوم الشّرعيّة، إذا بلغت قيمة المسروق نصاباً‏.‏

ولا يقام الحدّ عند الحنابلة على سرقة الثّمار المعلّقة أو الكثر، ولو كانت في بستان محاط بسور، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا قطع في ثمر ولا في كثر»‏.‏

فأمّا إذا كان النّخل أو الشّجر داخل دار محرزة، ففيما يسرق القطع إن بلغ نصاباً‏.‏

وإقامة الحدّ عند الحنابلة لا يتوقّف على صفة المال من كونه تافهًا أو لا، مباح الأصل أو غير مباح، معرّضاً للتّلف أو ليس معرّضاً‏.‏ ومع ذلك فإنّهم يستثنون الماء والملح والكلأ والثّلج والسّرجين، فلا قطع في سرقتها، لاشتراك النّاس في بعضها بنصّ الحديث، ولعدم تموّل البعض الآخر عادةً‏.‏

ب - أن يبلغ المسروق نصاباً‏.‏

32 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ إلى عدم إقامة الحدّ إلاّ إذا بلغ المال المسروق نصاباً‏.‏

ولكنّهم اختلفوا في تحديد مقدار النّصاب، وفي وقت هذا التّحديد، وفي أثر اختلاف المقوّمين لما يسرق، وفي وجوب علم السّارق بقيمة المال المسروق‏.‏

أ ولاً - الحنفيّة‏:‏

أ - تحديد مقدار النّصاب‏:‏

33 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ النّصاب الّذي يجب القطع بسرقته هو عشرة دارهم مضروبةً، أو ما قيمته عشرة، فلا يقام الحدّ عندهم على من يسرق أقلّ من ذلك، حتّى لو بلغت قيمته ربع دينار‏.‏

وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقطع اليد إلاّ في دينار أو عشرة دراهم»‏.‏ ولقوله أيضاً‏:‏ «لا تقطع يد السّارق فيما دون ثمن المجنّ»‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في تحديد ثمن المجنّ‏:‏ فمنهم من قدّره بثلاثة دراهم، ومنهم من قدّره بأربعة، ومنهم من قدّره بخمسة، ومنهم من قدّره بعشرة‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّ الأخذ بالأكثر أولى، لأنّ في الأقلّ احتمالاً يورث شبهةً تدرأ الحدّ‏.‏

ب - وقت تحديد النّصاب‏:‏

القاعدة عند الحنفيّة أنّ المعتبر قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز‏.‏

فإن كانت قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز أقلّ من عشرة دراهم، ثمّ زادت قيمته بعد ذلك، فلا عبرة بهذه الزّيادة، ومن ثمّ لا يقام الحدّ على السّارق‏.‏

أمّا إن كانت قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز عشرة دراهم، ثمّ نقصت هذه القيمة بعد الإخراج وقبل الحكم ففي المسألة تفصيل‏:‏ إن كان النّقصان في عين المسروق بأن هلك بعضه في يد السّارق بعد إخراجه من الحرز، فلا عبرة بهذا النّقص، لأنّ هلاك الكلّ لا يمنع من إقامة الحدّ، فهلاك البعض أولى بألاّ يمنع من إقامته، ولذلك تطبّق قاعدة‏:‏ أنّ المعتبر قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز‏.‏

أمّا إن كان سبب نقصان القيمة يرجع إلى تغيّر سعره، ففي المذهب روايتان‏:‏ رواية محمّد عن أبي حنيفة، ورجّحها الطّحاويّ، أنّ الاعتبار لقيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز، فتطبّق القاعدة السّابقة‏.‏ وفي ظاهر الرّواية كما ذكر الكرخيّ‏:‏ أنّ الاعتبار بقيمة المسروق، وقت الإخراج من الحرز ووقت الحكم معاً، فإذا تغيّرت الأسعار، بأن نقصت قيمة المسروق عن عشرة دراهم قبل الحكم، فلا يقام الحدّ، لأنّه لا دخل للسّارق في ذلك، ولأنّ النّقص عند الحكم يورث شبهةً تدرأ الحدّ‏.‏

وإذا وقعت السّرقة في مكان، وضبط المسروق في مكان آخر، كانت العبرة - في رأي - بقيمة المسروق في محلّ السّرقة، وفي رأي آخر‏:‏ تعتبر قيمته في محلّ ضبطه‏.‏

ج - اختلاف المقوّمين في تحديد قيمة المسروق‏:‏

ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا اختلف المقوّمون في تحديد قيمة المسروق، فقدّرها بعضهم بعشرة دراهم، وقدّرها البعض الآخر بأقلّ من عشرة، فإنّ العبرة تكون بالأقلّ، لأنّ هذا الاختلاف يورث شبهةً تدرأ الحدّ‏.‏ واستدلّوا على ما ذهبوا إليه بأنّ عمر رضي الله عنه همّ بقطع يد سارق، فقال له عثمان رضي الله عنه‏:‏ إنّ ما سرقه لا يساوي نصاباً، فدرأ عنه الحدّ‏.‏

د - علم السّارق بقيمة المسروق‏:‏

ذهب بعض الحنفيّة إلى الاكتفاء بقصد السّرقة في إقامة الحدّ، ما دامت قيمة المسروق تبلغ عشرة دراهم حتّى ولو كان السّارق يعتقد أنّ قيمته أقلّ من ذلك، بأن سرق ثوباً لا تبلغ قيمته النّصاب، فوجد في جيبه عشرة دراهم‏.‏

وذهب البعض الآخر إلى اشتراط علم السّارق بقيمة المسروق، بأن كان يعلم أنّ في جيب الثّوب نصاباً، فإن لم يكن يعلم فلا يقام عليه الحدّ، لأنّه قصد سرقة الثّوب وحده وهو لا يبلغ النّصاب‏.‏ بخلاف ما لو سرق جراباً أو صندوقاً، وكان به مال كثير لم يعلم حقيقته، فلا خلاف في إقامة الحدّ عليه، لأنّه قصد المظروف لا الظّرف‏.‏

ثانياً - المالكيّة‏:‏

أ - تحديد مقدار النّصاب‏:‏

34 - ذهب المالكيّة إلى أنّ النّصاب الّذي يجب القطع بسرقته هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم شرعيّةً خالصةً من الغشّ أو ناقصةً تروج رواج الكاملة، أو ما قيمته ذلك‏.‏

فالقاعدة عندهم‏:‏ أنّ كلّ واحد من الذّهب والفضّة معتبر بنفسه، فإذا كان المسروق من غير الذّهب أو الفضّة قوّم بالدّراهم، فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم ولم تبلغ ربع دينار أقيم الحدّ، أمّا إن بلغت قيمته ربع دينار ولم تبلغ ثلاثة دراهم فلا حدّ‏.‏

ودليلهم على ذلك ما روي عن ابن عمر من أنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم»‏.‏ وما روي عن عائشة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تقطع يد السّارق إلاّ في ربع دينار فصاعداً»‏.‏ فأخذوا بحديث عائشة فيما إذا كان المسروق من الذّهب، وبحديث ابن عمر فيما إذا كان المسروق فضّةً أو شيئاً آخر غير الذّهب والفضّة‏.‏

ب - وقت تحديد النّصاب‏:‏

القاعدة عند المالكيّة أنّ المعتبر قيمة النّصاب ووقت إخراجه من الحرز، فإن كانت قيمة المسروق أقلّ من ثلاثة دراهم حين السّرقة ثمّ بلغت الثّلاثة بعد إخراجه من الحرز، فلا يقام الحدّ‏.‏ وعلى العكس من ذلك‏:‏ إن كانت قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز ثلاثة دراهم ثمّ نقصت بعد ذلك أقيم الحدّ، سواء أكان النّقص في عين المسروق أم كان بسبب تغيّر الأسعار‏.‏

وإذا وقعت السّرقة بمكان، وضبط المسروق في مكان آخر، فالعبرة بمحلّ السّرقة‏.‏

ج - اختلاف المقوّمين في تحديد قيمة المسروق‏:‏

القاعدة عند المالكيّة تقديم المثبت على النّافي، فإذا شهد عدلان بأنّ قيمة المسروق نصاباً، أخذ بهذه الشّهادة، وأقيم الحدّ، ولو عارضتها شهادات أخرى‏.‏

د - علم السّارق بقيمة المسروق‏:‏

يرى المالكيّة أنّ العبرة بقصد السّرقة، لا بظنّ السّارق، إلاّ إذا صدّق العرف ظنّه‏.‏

فلو سرق ثوباً لا يساوي نصاباً، ولكن كان في جيبه مال يبلغ النّصاب، أقيم عليه الحدّ، ولو لم يكن يعلم بما في الجيب، لأنّ العرف جرى على وضع النّقود في جيوب الثّياب‏.‏

أمّا إذا سرق قطعة خشب، لا يعلم حقيقتها، فوجدها مجوّفةً وبها مال يبلغ النّصاب، فلا يقام عليه الحدّ، لأنّ العرف لم يجر على حفظ النّقود بتلك الكيفيّة‏.‏

ثالثاً - الشّافعيّة‏:‏

أ - تحديد مقدار النّصاب‏:‏

35 - ذهب جمهور الشّافعيّة إلى تحديد مقدار النّصاب بربع دينار من الذّهب، أو ما قيمته ذلك، لأنّ الأصل في تقويم الأشياء‏:‏ الذّهب‏.‏ وعلى ذلك لا يقام الحدّ على من يسرق ثلاثة دراهم أو ما قيمته ثلاثة دراهم، إذا قلّت قيمتها عن ربع دينار من غالب الدّنانير الجيّدة‏.‏ ودليلهم على ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ «لا تقطع يد السّارق إلاّ في ربع دينار فصاعداً»‏.‏

ب - وقت تحديد النّصاب‏:‏

يرى الشّافعيّة أنّ المعتبر قيمة النّصاب وقت إخراجه من الحرز، فإن كانت قيمة المسروق تقلّ عن ربع دينار حين السّرقة، ثمّ بلغت ربع دينار بعد إخراجه من الحرز، فلا يقام الحدّ‏.‏ أمّا إن كانت قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز ربع دينار،ثمّ نقصت بعد ذلك أقيم الحدّ، سواء أكان النّقص بفعل السّارق، كأن أكل بعضه، أم كان السّبب تغيّر الأسعار‏.‏

وتعتبر القيمة في مكان السّرقة، لا في مكان آخر‏.‏

ج - اختلاف المقوّمين في تحديد قيمة المسروق‏:‏

القاعدة عند الشّافعيّة أنّ شهادة المقوّمين إن قامت على أساس القطع أخذ بها، وإن قامت على أساس الظّنّ أخذ بالتّحديد الأقلّ، وذلك لتعارض البيّنات‏.‏

د - علم السّارق بقيمة المسروق‏:‏

لا يشترط الشّافعيّة أن يعلم السّارق قيمة ما سرق، بل يكفي عندهم أن يقصد السّرقة‏.‏ وعلى ذلك‏:‏ لو قصد سرقة ثوب لا يساوي ربع دينار، وكان في جيبه ما قيمته ربع دينار أقيم عليه الحدّ‏.‏ ولكنّه لو قصد سرقة صندوق به دنانير، فوجده فارغاً، والصّندوق لا يساوي ربع دينار، فلا يقام عليه الحدّ‏.‏

رابعاً - الحنابلة‏:‏

أ - تحديد مقدار النّصاب‏:‏

36 - اختلفت الرّوايات عن أحمد في مقدار النّصاب الّذي يجب القطع بسرقته‏.‏

فذهب أكثر الحنابلة إلى تحديده بثلاثة دراهم، أو ربع دينار، أو عرض قيمته كأحدهما‏.‏ وتحدّد الرّواية الأخرى النّصاب بربع دينار، إن كان المسروق ذهباً، وبثلاثة دراهم إن كان المسروق من الفضّة، وبما قيمته ثلاثة دراهم، إن كان المسروق من غيرهما‏.‏

ب - وقت تحديد النّصاب‏:‏

المعتبر عند الحنابلة قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز وفي مكان السّرقة، ولا عبرة بتغيّر هذه القيمة بعد ذلك لأيّ سبب كان‏.‏

ج - اختلاف المقوّمين في تحديد قيمة المسروق‏:‏

إذا قدّر بعض المقوّمين قيمة المسروق بنصاب، وقدّره بعضهم بأقلّ من نصاب، فلا يقام الحدّ على السّارق، لأنّه في حالة تعارض البيّنات في القيمة يؤخذ بالأقلّ‏.‏

د - علم السّارق بقيمة المسروق‏:‏

يشترط الحنابلة، لإقامة حدّ السّرقة، أن يعلم السّارق بأنّ ما سرقه يساوي نصاباً‏.‏

وعلى ذلك‏:‏ لا يقام الحدّ على من سرق منديلاً، لا تبلغ قيمته النّصاب، وقد شدّ عليه دينار، ما دام لم يعلم به‏.‏ فأمّا إن علم بوجود الدّينار، أقيم عليه حدّ السّرقة‏.‏

ج - أن يكون المسروق محرزاً‏:‏

37 - الحرز عند الفقهاء‏:‏ الموضع الحصين الّذي يحفظ فيه المال عادةً، بحيث لا يعدّ صاحبه مضيّعاً له بوضعه فيه‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ حدّ السّرقة لا يقام إلاّ إذا أخذ السّارق النّصاب من حرزه، لأنّ المال غير المحرز ضائع بتقصير من صاحبه‏.‏

واستدلّ الجمهور بما رواه أصحاب السّنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، قال‏:‏ «سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الحريسة الّتي توجد في مراتعها، فقال‏:‏ فيها ثمنها مرّتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ قال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ فالثّمار وما أخذ منها في أكمامها ‏؟‏ قال‏:‏ من أخذ بفمه ولم يتّخذ خبنةً فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرّتين، وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ»‏.‏

وذهب بعض الفقهاء وطائفة من أهل الحديث إلى عدم اشتراط الحرز لإقامة حدّ السّرقة، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا‏}‏‏.‏

والحرز نوعان‏:‏

أ ولاً - حرز بنفسه، ويسمّى حرزًا بالمكان‏:‏ وهو كلّ بقعة معدّة للإحراز، يمنع الدّخول فيها إلاّ بإذن، كالدّار والبيت‏.‏

ثانياً - وحرز بغيره، ويسمّى حرزاً بالحافظ‏:‏ وهو كلّ مكان غير معدّ للإحراز، لا يمنع أحد من دخوله، كالمسجد والسّوق‏.‏ ولمّا كان ضابط الحرز وتحديد مفهومه يرجع إلى العرف، وهو يختلف باختلاف الزّمان والمكان ونوع المال المراد حفظه، وباختلاف حال السّلطان من العدل أو الجور، ومن القوّة أو الضّعف، فقد اختلف الفقهاء في الشّروط الواجب توافرها ليكون الحرز تامّاً، وبالتّالي يقام الحدّ على من يسرق منه‏.‏

38 - أ - فذهب الحنفيّة إلى أنّ الحرز نفسه‏:‏ كلّ بقعة معدّة للإحراز بمنع دخولها إلاّ بإذن، كالدّور والحوانيت والخيم والخزائن والصّناديق والجرن وحظائر الماشية، سواء كان الباب مغلقاً أو مفتوحاً، أو لا باب لها، لأنّ هذه الأبنية قصد بها الإحراز كيفما كان‏.‏

ولا يشترط في الحرز بنفسه عندهم وجود الحافظ، ولو وجد فلا عبرة بوجوده، ويترتّب على ذلك‏:‏ أنّ الحرز بنفسه إذا اختلّ، بأن أذن للسّارق في دخوله، فلا يقام حدّ السّرقة، ولو كان فيه حافظ‏.‏ وعلى هذا‏:‏ لا يقام حدّ السّرقة على الضّيف، لأنّ الإذن له بالدّخول أحدث خللاً في الحرز، ولا على الخادم، لأنّ فعله يوصف بالخيانة، وليس على الخائن قطع، ولا على من يسرق من الحوانيت في فترات الإذن بالدّخول، بخلاف ما لو سرق في وقت غير مأذون فيه‏.‏

والسّرقة من الحرز بنفسه لا تشمل سرقة الحرز نفسه، لأنّ السّرقة تقتضي الإخراج من الحرز، ونفس الحرز ليس في الحرز، فلا إخراج‏.‏

وبناءً على ذلك‏:‏ لو سرق باب الدّار، أو حائط الحانوت، أو الخيمة المضروبة، فلا يقام عليه الحدّ عند الحنفيّة، لأنّه سرق نفس الحرز، ولم يسرق من الحرز‏.‏

أمّا الحرز بغيره‏:‏ فهو كلّ مكان غير معدّ للإحراز، يدخل إليه بدون إذن ولا يمنع منه، كالمساجد والطّرق والأسواق، وهي لا تعتبر حرزاً إلاّ إذا كان عليها حافظ، أي شخص ليس له من مقصد سوى الحراسة والحفظ، فإن كان له مقصد آخر فلا يكون المال محرزاً به‏.‏ وبناءً على ذلك‏:‏ لا يقام الحدّ عند الحنفيّة على من يسرق الماشية من المرعى، ولو كان الرّاعي معها، لأنّ عمل الرّاعي هو الرّعي، والحراسة تحصل تبعاً له، بخلاف ما لو كان مع الرّاعي حافظ يختصّ بالحراسة، ففي هذه الحالة تكون الماشية محرزةً بالحافظ، فيقام الحدّ‏.‏

ولا يقام الحدّ على من سرق متاعاً تركه صاحبه في المسجد، لأنّ المسجد لا يعتبر من الأماكن المعدّة لحفظ الأموال،ويدخل إليه بلا إذن، فأمّا إذا سرق المتاع حالة وجود الحافظ، فيقام عليه الحدّ، لما روي من «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق خميصة صفوان، وكان نائمًا عليها في المسجد»‏.‏

ولا يقام الحدّ على من يسرق الحرز بالحافظ‏:‏ كمن يسرق بعيراً، وراكبه نائم فوقه، لأنّ البعير محرز بالحافظ، فإذا أخذهما جميعاً صار كمن يسرق نفس الحرز‏.‏

وعند الحنفيّة يعتبر المكان محرزاً بالحافظ كلّما كان الشّيء واقعًا تحت بصره، مميّزاً أم غير مميّز، لأنّه وجد للحفظ ويقصده‏.‏

وعلى ذلك‏:‏ فإنّ ما يلبسه الإنسان أو يحمله أو يركبه أو يقع تحت بصره من متاع أو غيره، يعتبر محرزاً بحافظ، يقام الحدّ على من يسرق منه ما يبلغ النّصاب‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّ المسجد يعتبر حرزاً بالحافظ، فإذا لم يكن به حارس وسرق شخص شيئاً ممّا يلزم المسجد ضرورةً، كالحصر والقناديل، أو للزّينة كالعلم والمشكاة، أو للانتفاع به كالمصحف وكتب العلم، فلا يقام عليه الحدّ، لانعدام الحرز، بخلاف ما لو كان للمسجد حارس، فإنّه يكون محرزاً به‏.‏

39 - ب - وذهب المالكيّة إلى أنّ الحرز بنفسه‏:‏ كلّ مكان اتّخذه صاحبه مستقرّاً له، أو اعتاد النّاس وضع أمتعتهم به، سواء أكان محاطاً أم غير محاط، كالبيوت والحوانيت والخزائن، وكالجرين الّذي يجمع فيه الحبّ والتّمر وليس عليه باب ولا حائط ولا غلق، وكالأماكن الّتي يضع التّجّار بضائعهم فيها، في السّوق أو في الطّريق دون تحصين، وكالأماكن الّتي تراح فيها الدّوابّ دون بناء، أو الّتي تناخ فيها الإبل للكراء‏.‏

ولا يرى المالكيّة ما يمنع من اعتبار الحرز بنفسه حرزاً بالحافظ، بحيث إنّه إذا اختلّ الحرز بنفسه، بأن أذن للسّارق في دخوله، صار حرزاً بالحافظ إن كان به من يحفظه‏.‏

وعلى ذلك يقام الحدّ على الضّيف إذا سرق من منزل مضيفه، سواء كان المضيف نائماً أو مستيقظاً، ما دام الشّيء المسروق يقع تحت بصره‏.‏

كما يرون إقامة الحدّ على من يسرق من أفنية الحوانيت وقت الإذن بدخولها، ولو لم يكن عليها حافظ، لأنّها تحفظ عادةً بأعين الجيران وملاحظتهم‏.‏

ويقام الحدّ عندهم على من يسرق الحرز نفسه، لأنّ نفس الحرز يعتبر محرزاً بإقامته، فالحائط محرز ببنائه، والباب محرز بتثبيته، والفسطاط محرز بإقامته‏.‏

أمّا الحرز بغيره فهو المكان الّذي لم يتّخذه صاحبه مستقرّاً له، ولم تجر العادة بوضع الأمتعة فيه، كالطّريق والصّحراء‏.‏ وهو يكون حرزاً بصاحب المتاع إن كان قريباً من متاعه عرفاً، بشرط أن يكون حيّاً عاقلاً مميّزاً‏.‏

ولذا لا يقام الحدّ عند المالكيّة على من يسرق متاعاً بحضرة ميّت أو مجنون أو صبيّ غير مميّز‏.‏

ويستثني المالكيّة من ذلك سرقة الغنم في المرعى، ولو كان معها راعيها فلا قطع على سارقها، لتشتّت الغنم وعدم ضبطها أثناء الرّعي، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا قطع في ثمر معلّق، ولا في حريسة جبل»‏.‏ وقريب من ذلك عندهم‏:‏ سرقة الثّياب المنشورة ولو بحضرة الحافظ، لأنّ آخذه خائن أو مختلس‏.‏

ولا يقام الحدّ على من يسرق متاعاً وضعه صاحبه في المسجد،لأنّه لم يعدّ لحفظ المال أصلاً، إلاّ إذا كان هناك حارس يلاحظه، لأنّه في هذه الحالة يصير حرزًا بالحافظ‏.‏

ولا يقام الحدّ كذلك على من يسرق الحرز بالحافظ، كمن يسرق بعيراً وراكبه نائم فوقه، لأنّ يد الحافظ لم تزل عن البعير، فإذا استيقظ الرّاكب بعد ذلك كان الفعل اختلاساً إذا أزيلت يده عن البعير‏.‏

وعند المالكيّة روايتان في حكم سارق المسجد‏:‏ تذهب الأولى إلى إقامة الحدّ على من يسرق من بناء المسجد، كالحائط أو الباب أو السّقف، وعلى من يسرق من أدواته المعدّة للاستعمال فيه كالحصر أو البسط أو القناديل، لأنّها محرزة بنفسها‏.‏

أمّا الرّواية الأخرى فتفرّق في أدوات المسجد بين ما هو مثبّت كالبلاط، أو ما هو مسمّر كالقناديل المشدودة بالسّلاسل، أو ما شدّ بعضه إلى بعض كالبسط المخيّط بعضها في بعض، وهذه يقام الحدّ على سارقها، وبين غير المثبّت أو المسمّر أو المشدود بعضه إلى بعض فلا يقام الحدّ على سارقها‏.‏

40 - ج - وعند الشّافعيّة لا يكون حرزاً بنفسه إلاّ المكان المغلق المعدّ لحفظ المال داخل العمران، كالبيوت والحوانيت وحظائر الماشية‏.‏

فإن كان المكان غير مغلق، بأن كان بابه مفتوحاً، أو ليس له باب، أو كان حائطه متهدّماً أو به نقب، فلا يكون حرزاً بنفسه‏.‏

وإن كان المكان غير معدّ لحفظ المال كالسّوق والمسجد والطّريق،فإنّه لا يعتبر حرزاً بنفسه‏.‏ وإن كان المكان خارج العمران، بأن كان منفصلاً عن مباني القرية أو البلدة ولو ببستان، فلا يكون حرزاً بنفسه‏.‏

ولا يرى الشّافعيّة ما يمنع من اعتبار الحرز بنفسه حرزاً بالحافظ إذا اختلّ الحرز بالمكان، بأن أذن للسّارق بالدّخول، أو فتح الباب، أو أحدث به نقب وعلى ذلك‏:‏ يقام الحدّ عندهم على الضّيف إذا سرق من غير المكان الّذي نزل به، لأنّه سرق مالاً محرزاً لا شبهة له فيه، بخلاف ما لو سرق من المكان الّذي نزل به، لاختلال الحرز بالإذن، إلاّ إذا كان بالمكان الّذي نزل فيه حافظ يقع بصره عليه، فإنّ المكان يعتبر حرزاً بالحافظ، ولو كان الحافظ نائماً اختلّ الحرز، إلاّ إذا سرق الضّيف شيئًا يلبسه النّائم، أو يتوسّده، أو يتّكئ عليه، أو يلتفّ به، فيقطع بسرقته‏.‏

ويقام الحدّ عند الشّافعيّة على من يسرق نفس الحرز، لأنّه محرز بإقامته، وعلى ذلك يقطع من يسرق حجارة الحائط أو باب البيت أو خشب السّقف‏.‏

أمّا الحرز بغيره‏:‏ فهو كلّ مكان لم يعدّ لحفظ المال، أو كان خارج العمران، أو غير مغلق‏.‏ وهو لا يكون حرزاً إلاّ بملاحظ يقوم بحراسة المال بحيث لا يعتبر العرف صاحبه مقصّراً عند سرقته‏.‏ فالملاحظة يختلف مداها باختلاف نوع الحرز‏:‏

أ - فإن كان المال في مكان لا حصانة له، كصحراء أو مسجد أو شارع، اشترط الشّافعيّة لاعتباره محرزاً دوام ملاحظته من المالك أو ممّن استحفظه المالك، ولا يقطع هذا الدّوام الفترات العارضة في العادة الّتي يغفل فيها الملاحظ، فيقام الحدّ على من يسرق أثناءها‏.‏ ولذلك لا يعتبر هذا المكان حرزاً، إذا كان الملاحظ بعيداً عرفاً عن المال، أو كان نائماً أو أعطاه ظهره، أو كان ثمّة ازدحام يحول بين الملاحظ وبين المال‏.‏

ودوام الملاحظة يقتضي أن يكون الملاحظ قادراً على منع السّارق من السّرقة بقوّة من نفسه، أو بقوّة من غيره كاستغاثة، فإن كان ضعيفاً لا يقدر على دفع السّارق، والموضوع بعيد عن الغوث، فإنّ المال لا يعتبر محرزاً به‏.‏

ويعتبر المرعى من الأماكن الّتي تحتاج إلى لحاظ دائم، فلا يعتبر حرزاً للماشية إلاّ إذا كان معها حافظ يراها ويسمع صوتها إذا بعدت عنه‏.‏ وإن كانت الماشية مقطورةً يقودها قائد، فلا تكون محرزةً به إلاّ إذا كان يلتفت إليها كلّ ساعة بحيث يراها، فإن كانت غير مقطورة، أو كان القائد لا يستطيع رؤية بعضها لحائل، اختلّ الحرز، ويدرأ الحدّ عن السّارق‏.‏

ب - وإن كان المال في مكان محصن، كدار وحانوت وإصطبل، كفى لحاظ معتاد، فإن كان هذا المكان متّصلاً بالعمران، وله باب مغلق، اعتبر حرزاً، سواء كان الحافظ قويّاً أو ضعيفاً، نائماً أو يقظاً، في النّهار أو في اللّيل، وسواء أكان الزّمن زمن أمن، أم كان زمن خوف‏.‏ وإن لم يكن به حافظ، فلا يعتبر حرزاً إلاّ إذا كان الباب مغلقاً والوقت نهاراً والزّمن زمن أمن، وإلاّ فلا‏.‏

وإن كان هذا المكان بعيداً عن العمران، وبه حافظ قويّ يقظان، اعتبر حرزاً سواء كان الباب مفتوحاً أو مغلقاً، والأصحّ عندهم أنّه يكون حرزاً إذا كان به شخص قويّ نائم، والباب مغلق‏.‏ فإن لم يكن بالمكان أحد، أو كان به شخص ضعيف، فلا يعتبر حرزاً لما فيه، حتّى لو كان الباب مغلقاً‏.‏

والمذهب أنّ المسجد يعتبر حرزاً بنفسه فيما جعل لعمارته كالبناء والسّقف، أو لتحصينه كالأبواب والشّبابيك، أو لزينته كالسّتائر والقناديل المعلّقة للزّينة‏.‏

فأمّا ما أعدّ لانتفاع النّاس به كالحصر والقناديل الّتي تسرج فيه والمصاحف، فالأصحّ أنّه لا يقام الحدّ على سارقها إذا كان له حقّ الانتفاع، لوجود الشّبهة‏.‏

ومقابل الأصحّ‏:‏ وجوب إقامة الحدّ على سارق الحصر والقناديل‏.‏

41 - د - ويتّفق الحنابلة مع الشّافعيّة في أنّ الحرز بنفسه‏:‏ هو كلّ موضع مغلق معدّ لحفظ المال داخل العمران كالبيوت والحوانيت وحظائر الماشية‏.‏

فإن لم يكن مغلقاً‏:‏ بأن كان بابه مفتوحاً أو به نقب، فلا يعتبر حرزاً بنفسه، وإن لم يكن معدّاً لحفظ المال كالسّوق والمسجد، فلا يعتبر حرزاً بنفسه‏.‏ وإن كان خارج العمران فلا يعتبر حرزاً بنفسه‏.‏

ولا يرى الحنابلة مانعاً من اعتبار الحرز بنفسه حرزاً بالحافظ إذا اختلّ الحرز بالمكان بأن أذن للسّارق بالدّخول، أو كان الباب مفتوحاً، أو أحدث بالمكان نقب‏.‏ ولهذا لا يقام الحدّ عندهم على الضّيف إذا سرق من الموضع الّذي أذن له بدخوله لاختلال الحرز بالإذن‏.‏

فأمّا إذا سرق من موضع لم يؤذن له بدخوله، فإنّ الحكم يختلف باختلاف معاملة الضّيف‏:‏ فإن كان المضيف قد منعه قراه فسرق بقدره لا يقام الحدّ عليه، وإن لم يكن منعه قراه يقام عليه حدّ السّرقة‏.‏

ويذهب الحنابلة إلى إقامة الحدّ على من يسرق نفس الحرز، لأنّه محرز بإقامته‏.‏

وعلى ذلك يقطع من يسرق حجارةً من حائط الدّار، أو بابه، أو نحوه‏.‏

أمّا الحرز بغيره‏:‏ فهو الموضع الّذي لم يعدّ لحفظ المال دون حافظ في العادة، كالخيام والمضارب، أو الموضع المنفصل عن العمران، كالبيوت في البساتين والطّرق والصّحراء، مغلقةً كانت أو مفتوحةً، فلا تكون حرزاً إلاّ بحافظ أيّاً كان‏:‏ صغيراً أو كبيراً، قويّاً أو ضعيفاً، ما دام لم يفرّط في الحفظ بنحو نوم، أو يشتغل عن الملاحظة بنحو لهو‏.‏

وعلى ذلك تحرز الماشية في المرعى بملاحظة الرّاعي لها، بأن يراها ويبلغها صوته‏.‏

فإن نام أو غفل عنها أو استتر بعضها عنه فلا تكون محرزةً‏.‏

أمّا الإبل فإنّها تحرز وهي باركة إذا عقلت وكان معها حافظ ولو نائماً‏.‏

وعند الحنابلة رأيان في حكم السّرقة من المسجد، أحدهما‏:‏ أنّ المسجد ليس حرزاً بنفسه إلاّ فيما جعل لعمارته أو لزينته، كالسّقف والأبواب ونحوها، فأمّا ما أعدّ لانتفاع النّاس به، كالحصر أو البسط أو قناديل الإضاءة، فلا يقام الحدّ على سارقها، ولو كانت محرزةً بحافظ، لأنّ حقّ السّارق في الانتفاع بها يعتبر شبهةً تدرأ عنه الحدّ‏.‏

والرّأي الآخر‏:‏ لا يقام الحدّ على من يسرق من المسجد، سواء كان المسروق لعمارته وزينته، أو كان معدّاً لانتفاع النّاس به، لأنّ المسجد لا مالك له من المخلوقين، ولأنّه معدّ لانتفاع المسلمين به، فكان ذلك شبهةً تدرأ الحدّ، سواء اعتبرت السّرقة من حرز بنفسه أو من حرز بالحافظ‏.‏

الرّكن الرّابع‏:‏ الأخذ خفيةً

42 - يشترط لإقامة حدّ السّرقة أن يأخذ السّارق المسروق خفيةً، وأن يخرجه من الحرز‏.‏ فإذا شرع في الأخذ ولم يتمّه، فلا يقطع، بل يعزّر‏.‏

وقد يقام الحدّ على الشّريك إذا بلغ فعله حدّاً يمكن معه نسبة السّرقة إليه‏.‏

أ - الأخذ‏:‏

43 - لا يعتبر مجرّد الأخذ سرقةً عند جمهور الفقهاء، إلاّ إذا نتج عن هتك الحرز، كأن يفتح السّارق إغلاقه ويدخل، أو يكسر بابه أو شبّاكه، أو ينقب في سطحه أو جداره، أو يدخل يده في الجيب لأخذ ما به، أو يأخذ ثوباً توسّده شخص نائم، أو نحو ذلك‏.‏

ولكنّهم لم يتّفقوا على طريقة الأخذ الّتي تؤدّي إلى إقامة الحدّ‏:‏

فذهب الحنفيّة - إلاّ أبا يوسف - إلى أنّ الأخذ لا يتحقّق إلاّ إذا كان هتك الحرز هتكاً كاملاً تحرّزاً عن شبهة العدم، بأن يدخل الحرز فعلاً، إذا كان ممّا يمكن دخوله، كبيت وحانوت، فإذا كان ممّا لا يمكن دخوله، كصندوق وجيب، فلا يشترط الدّخول‏.‏

وحجّتهم في ذلك‏:‏ ما روي عن عليّ كرّم اللّه وجهه أنّه قال‏:‏ اللّصّ إذا كان ظريفاً لا يقطع‏.‏ قيل‏:‏ وكيف ذلك ‏؟‏ قال‏:‏ أن ينقب البيت فيدخل يده ويخرج المتاع من غير أن يدخله‏.‏ وذهب أبو يوسف، والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّ دخول الحرز ليس شرطاً لتحقّق الأخذ وهتك الحرز، فدخول الحرز ليس مقصوداً لذاته، بل لأخذ المال، فإذا تحقّق المقصود بمدّ اليد داخل الحرز وإخراج المال، كان ذلك كافياً في هتك الحرز وأخذ المال‏.‏

وحجّتهم في ذلك‏:‏ ما روي من «أنّ رجلاً كان يسرق الحجّاج بمحجنه، فقيل له‏:‏ أتسرق متاع الحجّاج ‏؟‏ قال‏:‏ لست أسرق، وإنّما يسرق المحجن‏.‏ فروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ رأيته يجرّ قصبه في النّار»‏.‏ يعني‏:‏ أمعاءه، لما كان يتناول من مال الحجّاج‏.‏

ب - الخفية‏:‏

44 - يشترط لإقامة حدّ السّرقة أن يؤخذ الشّيء خفيةً واستتاراً، بأن يكون ذلك دون علم المأخوذ منه ودون رضاه‏.‏ فإن أخذ الشّيء على سبيل المجاهرة، سمّي‏:‏ مغالبةً أو نهباً أو خلسةً أو اغتصاباً أو انتهاباً، لا سرقةً‏.‏

وإن حدث الأخذ دون علم المالك أو من يقوم مقامه، ثمّ رضي، فلا سرقة‏.‏

وقد سبق بيان حكم الأخذ في‏:‏ الاختلاس، وجحد الأمانة، والحرابة، والغصب، والنّبش، والنّشل، والنّهب‏.‏

ج - الإخراج‏:‏

45 - لا تكتمل صورة الأخذ خفيةً إلاّ إذا أخرج السّارق الشّيء المسروق من حرزه، ومن حيازة المسروق منه، وأدخله في حيازة نفسه‏.‏

أ - الإخراج من الحرز‏:‏

46 - اتّفق جمهور الفقهاء على وجوب إخراج المسروق من الحرز لكي يقام حدّ السّرقة، فإن كانت السّرقة من حرز بالحافظ فيكفي مجرّد الأخذ، حيث لا اعتبار للمكان في الحرز بالحافظ‏.‏ وإن كانت السّرقة من حرز بنفسه فلا بدّ من إخراج المسروق من المكان المعدّ لحفظه، فإذا ضبط السّارق داخل الحرز، قبل أن يخرج بما سرقه، فلا يقطع بل يعزّر‏.‏ والإخراج من الحرز إمّا أن يكون مباشراً، بأن يقوم السّارق بأخذ المسروق خفيةً من الحرز ويخرج به منه، أو بأن يؤدّي فعله مباشرةً إلى إخراجه، كأن يدخل الحرز ويأخذ المسروق ثمّ يرمي به خارج الحرز، وإمّا أن يكون غير مباشر ويطلق عليه الفقهاء الأخذ بالتّسبّب، بأن يؤدّي فعل السّارق - بطريق غير مباشر - إلى إخراج المسروق من الحرز، كأن يضعه على ظهر دابّة ويقودها خارج الحرز، أو يلقيه في ماء راكد ثمّ يفتح مصدر الماء فيخرجه التّيّار من الحرز‏.‏ وسواء كان الإخراج مباشراً أو غير مباشر فإنّ شروط الأخذ خفيةً تكون تامّةً ويقام الحدّ على السّارق لأنّه هو المخرج للشّيء‏:‏ إمّا بنفسه وإمّا بآلته‏.‏ غير أنّ بعض صور الإخراج كانت محلّاً لاختلاف الفقهاء، تبعاً لاختلافهم في مفهوم الأخذ التّامّ‏.‏

فمن ذلك أن يهتك السّارق الحرز، ويدخله، ويأخذ الشّيء خفيةً، ثمّ يرمي به خارج الحرز، وبعد ذلك يخرج فيأخذه، وفي هذه الصّورة يتّفق جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ الأخذ تامّ فيقام الحدّ على السّارق، وخالفهم في ذلك زفر، حيث يرى أنّ الأخذ لا يتمّ إلاّ بالإخراج، والرّمي ليس بإخراج، والأخذ من الخارج لا يعتبر أخذاً من الحرز‏.‏

ب - إخراج المسروق من حيازة مالكه أو من يقوم مقامه‏:‏

46 م - يترتّب على إخراج المسروق من الحرز أن يخرج كذلك من حيازة المسروق منه، ذلك أنّ السّارق إذا أخرج المسروق من البيت أو الحانوت أو الحظيرة أو الجيب فإنّه يكون بذلك قد أخرجه من حيازة المسروق منه، حيث إنّه قد أزال يد الحائز عن الشّيء المسروق‏.‏ ولكنّ إخراج المسروق من حيازة مالكه أو من يقوم مقامه لا يتوقّف على خروج السّارق به من الحرز، فقد تزول يد الحائز عن المسروق رغم بقاء السّارق في الحرز وعدم إخراج المسروق من ذلك الحرز، كما إذا ابتلع السّارق ما سرقه دون أن يغادر الحرز، ففي هذه الصّورة ونحوها يخرج المسروق من حيازة المسروق منه، من غير أن يخرج به السّارق من الحرز‏.‏

ج - دخول المسروق في حيازة السّارق‏:‏

47 - يرى الحنفيّة أنّ إخراج المسروق من حرزه، ومن حيازة المسروق منه، لا يستتبع حتمًا دخوله في حيازة السّارق، ومن ثمّ لا يقام عليه الحدّ‏.‏

مثال ذلك‏:‏ أن يهتك السّارق الحرز، ويدخله، ويأخذ الشّيء خفيةً، ثمّ يرمي به خارج الحرز، وبعد ذلك لا يتمكّن من الخروج لأخذه، أو يخرج من الحرز ليأخذه فيجد غيره قد عثر عليه وأخذه‏.‏ وهنا يعتبر المسروق قد أخرج من الحرز، ومن حيازة المسروق منه، ولكنّه لم يدخل في حيازة السّارق‏.‏

لأنّه إذا لم يتمكّن من الخروج فلا تثبت يده على المسروق ولا يعتبر في حيازته فعلاً‏.‏

وإن خرج ولم يجد المسروق، تكون يد الآخذ قد اعترضت يد السّارق، فدخل المسروق في حيازة من أخذه، ولم يدخل في حيازة من سرقه، وحينئذ تحول هذه ‏"‏ اليد المعترضة ‏"‏ دون إقامة الحدّ على السّارق، وإن كان يعزّر‏.‏

وينطبق نفس الحكم - عند الحنفيّة - على من يهتك الحرز، ويدخله، ويأخذ الشّيء خفيةً ولكنّه يتلفه وهو داخل الحرز، لأنّه إن أتلف ما يفسد بالإتلاف كأن أكل الطّعام، أو أحرق المتاع، أو مزّق الثّوب، أو كسر الآنية، فلا يعدّ سارقاً، بل متلفاً، وعليه الضّمان والتّعزير‏.‏ أمّا إن أتلف بعضه وأخرج البعض الآخر، وكانت قيمة ما أخرجه تساوي نصاباً، فإنّه يكون سارقاً، لتحقّق تمام الأخذ بالهتك والإخراج، وخالفهم أبو يوسف، لأنّ السّارق إذا أتلف البعض يصير ضامناً، والمضمونات تملك بالضّمان، فيكون سبب الملك قد انعقد له قبل الإخراج، ولا يقطع أحد في مال نفسه‏.‏

وإن كان ما أتلفه - وهو داخل الحرز - لا يفسد بالإتلاف، كأن يبتلع جوهرةً أو ديناراً فإنّه لا يعدّ سارقاً أيضاً، حتّى لو خرج بما ابتلعه، لأنّ الابتلاع يعتبر استهلاكاً للشّيء، فهو من قبيل الإتلاف، وعليه الضّمان‏.‏

أمّا غير الحنفيّة من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فقد اتّفقوا على أنّ إخراج المسروق من حرزه ومن حيازة المسروق منه يستتبع حتماً إدخاله في حيازة السّارق إدخالاً فعليّاً أو حكميّاً وعلى ذلك‏:‏ فلو دخل السّارق الحرز، وأخذ الشّيء خفيةً، ورمى به خارج الحرز، فإنّ الحدّ يقام عليه، لأنّه حين أخرج الشّيء من حرزه ومن حيازة المسروق منه، يكون أدخله حكماً في حيازة نفسه، فإذا خرج بعد ذلك وأخذه، فإنّ وضع اليد الفعليّ على المسروق ينضمّ إلى الحيازة الحكميّة، وكلّ منهما يوجب الحدّ بمفرده‏.‏

وكذلك إذا خرج من الحرز فوجد أنّ غيره قد أخذ الشّيء المسروق، لأنّ هذا الشّيء دخل في حيازة السّارق حكماً، ولو لم يضع يده عليه فعلاً، وصاحب اليد المعترضة لا يغيّر من هذا الحكم - عندهم - لأنّ اليد المعترضة لا تجوّز المسروق إلاّ بعد دخوله في حيازة السّارق‏.‏ ويقام الحدّ على السّارق أيضاً - عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إذا رمى الشّيء المسروق خارج الحرز، ثمّ تعذّر عليه الخروج لأخذه، بأن تمّ ضبطه داخل الحرز أو منع من الخروج منه، لأنّه دخل في حيازته حكماً بمجرّد خروجه من حيازة المسروق منه، والحيازة الحكميّة تكفي لاعتبار الأخذ تامّاً كالحيازة الفعليّة سواءً بسواء‏.‏

ولئن كان مالك تردّد في إقامة الحدّ على السّارق إذا ضبط في الحرز، بعد أن أخرج المسروق وقبل أن يخرج لأخذه، إلاّ أنّ المذهب على إقامة الحدّ كما قال ابن عرفة‏:‏ والمدار في القطع على إخراج النّصاب من الحرز، خرج منه السّارق إذا دخل أم لا، حتّى إنّ السّارق لو أخرج النّصاب من الحرز، ثمّ عاد به فأدخله، قطع‏.‏

وقد اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة مع جمهور الحنفيّة على أنّ من يهتك الحرز ويدخله، ويأخذ منه شيئاً يفسد بالإتلاف، ثمّ يتلفه وهو داخل الحرز، فلا يقام عليه الحدّ، لأنّ فعله هذا يعتبر استهلاكاً، لا سرقةً، وعليه الضّمان والتّعزير‏.‏

أمّا إذا أتلف بعضه داخل الحرز، وأخرج البعض الآخر منه، وكانت قيمة ما أخرج تساوي النّصاب، فإنّه يعتبر سارقاً ويقام عليه الحدّ،لتحقّق الأخذ بهتك الحرز وإخراج النّصاب منه‏.‏ ولكنّهم اختلفوا في حكم من يتلف وهو داخل الحرز شيئاً لا يفسد بالإتلاف، كأن يبتلع ديناراً أو جوهرةً، ثمّ يخرج من الحرز‏.‏

فذهب المالكيّة إلى أنّ الابتلاع في هذه الحالة يعتبر أخذاً تامّاً، كأنّه وضع المسروق في وعاء وخرج به، ولهذا يقام عليه الحدّ، قولاً واحداً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى اعتبار الفعل إتلافاً، إذا لم يخرج المسروق من جوفه بعد ابتلاعه، ومن ثمّ لا يقام عليه الحدّ، لأنّه استهلكه داخل الحرز، فصار كأكل الطّعام‏.‏

أمّا إذا خرج المسروق من جوفه بعد ابتلاعه، فالأصحّ أنّه يقام عليه حدّ السّرقة، لأنّ المسروق باق بحاله لم يفسد، فأشبه ما إذا أخرجه في فيه أو في وعاء‏.‏

ولدى الحنابلة وجهان‏:‏ أوّلهما‏:‏ يعتبر الفعل إتلافاً في كلّ حال، فلا قطع،بل يجب الضّمان، والآخر‏:‏ يعتبر الفعل إتلافًا إذا لم يخرج المسروق من جوف من ابتلعه، ومن ثمّ لا يقام عليه الحدّ، ويعتبره سرقةً إذا خرج من جوفه بعد الابتلاع، وكأنّه أخرجه في جيبه، ومن ثمّ يقام عليه حدّ السّرقة‏.‏

د - الشّروع في الأخذ‏:‏

48 - يعتبر شروعاً في السّرقة كلّ فعل يمكن أن يؤدّي إلى سرقة، ولكنّ السّرقة لم تكتمل معه، وذلك كالوسائل المؤدّية إلى هتك الحرز،أو أخذ الشّيء دون علم المأخوذ منه ورضاه، أو إخراج الشّيء المسروق من حرزه، ومن حيازة المسروق منه، دون أن يدخل في حيازة الآخذ، أو إخراج ما دون النّصاب‏.‏

أمّا إذا تمّت السّرقة فإنّ الحدّ يقام على السّارق باعتباره قد ارتكب جريمةً موجبةً للحدّ شرعاً، وذلك دون نظر إلى كلّ فعل بمفرده من الأفعال الّتي كوّنت السّرقة‏.‏